الثلاثاء، 3 ديسمبر 2019

( حديث الأحــزان 6 يحيى صالح العفيري

( حديث الأحــزان 6
.✍🏻/ يحيى صالح العفيري)

لم تزل عيني ترسل بريقها المحمر في دياجير الظلام لتعطي وميضاً يشبه الفسفور على أوجه الجدار .
هي لم تكن تأتي بذلك عبثاً إنما أُجبرت أن تبقى كجذوة من نار بعد أن سئمت الكرى ، وتكحلت السهاد.
في تلك الليلة التي أرتدت ثوب الحداد القاتم ، مــل الفراش من جسدي الذي لم يبت ساكنا منذُ ألتصق به ، ومللت أنا من ساعات ذلك الليل الذي أقحمني بتابوت الأحزان ، وأحاط وجهي بدخانهِ الأسود المنبعث من زفرات الأنين ، وتأوهات المذبوحين على شفرات الفراق.
بعد مللٍ فاق حده ركضت صوب الشرفة التي داعب أجفانها السبات وأستسلمت أمام الرذاذ ليلهو على سطحها الأملس ذي الميلان.
لم أجــد سوى البرد يشحذ سكاكينه ويغرزها  بجسدي الهزيل .
كنت اختضل واترنح كالذي أمسكت به كهرباء فلم تفارقه حتى سلبته حياته.
كنت على يقين بأن تلك السكاكين مدمنة على تذوق أجساد المرهقين الذين أستطال بهم الحزن ، ونفخ في أوردتهم الكمد ، فأصبحت أجسامهم رقعة شطرنج يبرز بها ملك الألم وملك السرور ويتصارعا عليها من أجل تحقيق النصر.
كنت أرنو بعيداً أجوب بعيني كل الجهات وأحدق نحو السماء مفتشاً عن بقايا مرآيا  النجوم لتسامرني قليلا وتأخذ من حزني شيئا يسيرا .
كانت عيني تجر أذيال الخيبة وتعود إليّ ، لكنني كنت أطلقها كرة أخرى للبحث عن بصيص ضوء أو جذوة نبراس وتعود على حالة ذهابها .
حتى القمر أحجب نوره البهي فلم يعد له نورٌ أو فضاء.
حينها عرفت أنني غدوت في منفاي ، ذائب الحلم ، ذابل الوجه ، واكف العبرات ، أصحب أوراق العناء وأثق في لونها المغتر ، فتكبلني بأسطر العذاب ، وتصهر عليّ حبر المعاناه.

في ظل ذلك الليل المتربع بظلامهِ على الآفاق فارق السرور روحهِ المرحه ، وارتمى بين يديّ مضرجا بأحاديثه الرائعه ، قتيلا على يد الحزن ، ولم يكتف بذلك فحسب فقد نادى زبانيتهُ ليمزقوه أمام عينيّ ويسلموا أشلاءه إلى رمال الليل البهيم لتسحقهُ بأكوامها الخبيثه.
في ذلك الوقت لم يبق لي سوى أسداء المعروف أمام بقايا إشلائه المتروكة من قبل زبانية الحزن وتشييعها إلى مقابر الموتى والعزف على رمالها بلحنٍ مؤثر زاد في داخلي ألما وضجرا.

عــدتُ يائساً من البقاء في هذه الحياة ، ولم أعد آمل برؤية صباحٍ جديد يتخلخل عمري المتفاني.
ودعتُ النافذة ومضيت نحو الفراش عابساً وأنفاسي تندب حالتي المبعثره ، فتغادر أنفي لتحمل نسمات من الهواء المملوء بالشوائب وتعود مسرعةً إليّ ، كي تخفف عني كربة الضيق ، وتحفزني على الحياة وانتظار النور على مداخل الفجر الآتي بنسائمه الطلقه ، وأغنياته المرتلة على أوتار الصباح.

طال بي الأنتظار ، وضاق الصدر حتى أجبر  الروح التي  بداخله على الأقلاع من مطارها الذي غدا ضيقا ، والذهاب نحو منطقة الحنجرة التي تعتبر محطة أستراحه للوداع الأخير.

لم يبق سوى لحظات ويشق الروح طريقه لرحــلةٍ ستدوم حتى القيامه.

بدأ يفرد جناحيه للمغادره فسمع صفير الإنذار يبعثه الفجر ، ويرسل إلى الآفاق شارة  النصر في معركته مع خيوط الظلام التي دام أستعمارها لساعاتٍ عديده ، وقطنت الكون بخبثها المخيف ، وظلامها الجائر .
عندئذٍ طوى الروح جواز سفره وعاد إلى مطاره القديم بعد أن أصبح رحيباً يتجول به كيف شاء.
حتى الزهر لم يبخل بنفسهِ أمام طائر النحل لكي يصنع منه ما ينفع الناس فحياته تكمن في المنفعه وتنتهي فيها ، متى سوف نجعل حياتنا لمنفعة الناس لا لمنفعة الذات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب

تابعنا على فيسبوك

Labels

شريط الأخبار

ads

حكمة

في بعض الأحيان الخطوة الأولى هي الخطوة الأصعب تقدم وأخطوها فقط وليكن لديك الشجاعة الكافية لان تتبع إحساسك وحاستك السادسة.

حكمة اليوم !

التسميات

العاب

منوعات

{"widgetType": "recent posts","widgetCount": 4}

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *