ارسل احدهم هذه الابيات يستفسر حولها
والحقيقة لا وجود لها في تاريخ الادب العربي لا قديمه ولا جديدة
واليكم التفاصيل
هذا هو الحق
اللَّيْثُ بْنُ فأر الغضنفريّ
أرسل إليَّ أخٌ كريمٌ وصديقٌ قديمٌ يسألني: هل يوجد شاعرٌ جاهليٌّ اسْمُهُ اللَّيْثُ بْنُ فأر الغضنفريّ؟ وهل له قصيدةٌ في المعلقات الجاهليَّة؟ فوجدتُ هذا السُّؤال فرصةً للحديثِ عن هذا الشَّاعر المَزعوم. أمَّا القصيدة فيقالُ إنَّها أصعب قصيدةٍ في الشِّعر الجاهليِّ على الإطلاق، وتُسمَّى قصيدة (الفيلطوز) ومن أبياتها:
تدفَّق في البَطحاءِ بعد تـبَـهْـطُلِ ** وقعْقعَ في البَيْداءِ غير مُــزَرْكـلِ
وسارَ بأركان العَقيـــــشِ مُقرْنِصًا ** وهامَ بكُـلِّ الـقـارطاتِ بشنْـكَـلِ
يقولُ وما بالُ البِحاطِ مُقـرْطِـــــمًا ** ويسعى دوامًا بـيـن هَكٍّ وهَنْكَلِ
إذا أقبلَ البُـعـراط طاح بـهِـمَّــــــةٍ ** وإنْ أقرَط المَحطوشُ نــاءَ بكلْكلِ
يكادُ على فرْط الحَطيـفِ يُبقبـــــقُ ** ويضربُ ما بين الهِمـــاط وكنْدَلِ
فيا أيُّها البَغطوشُ لستَ بقـــــــاعدٍ ** ولا أنت في كلِّ البَحيصِ بطنْبَلِ
وعلى الرَّغم من الاختلاف بين الرُّواة في بعض كلمات القصيدة وتفسير معانيها إلَّا أنَّني أسارع إلى القول: إنَّه لاوجود لشاعرٍ جاهليٍّ بهذا الاسم، ولا وجود لهذه الأبيات الضَّحلة الفجَّة الغريبة الفارغة من المبنى والمعنى في الشِّعر الجاهليِّ أو في معلَّقةٍ من معلقاته، ناهيك عن أنَّ كثيرًا من هذه الكلمات لاوجود لها أصلًا في معاجم اللغة العربيَّة وقواميسها، ويظهر أن أحد العابثين المعاصرين أحبَّ أن يُعارض معلقة امْرئ القيس ( قفا نَبْكِ) بهذا الكلام الرَّكيك، فالشِّعر الجاهليُّ شِعْرٌ جَزْلٌ رصينٌ، به يُحتَجُ على لغة القرآن الكريم، وهو ديوان العرب ضمَّنوه قصصهم ومفاخرهم وتاريخهم وعلومهم ومعارفهم وآدابهم وحِكَمهم، عليه تربَّى أبناؤهم، وعليه نشأ ناشئتهم، وحَدا به حُداتُهم في التّرحال، وترنَّمت به جواريهم في جلسات الأنس وراحة البال، فكان يلامس القلوب، ويطرب النفوس، ويحرِّك الوجدان... لن أتحدَّث كثيرًا عن الشعر الجاهليِّ ومدى تأثيره في نفوس السَّامعين فهذا موضوع ٌ أجدر بالمؤلَّفات الطويلة والأبحاث المفصَّلة، بل سأكتفي بشاهدٍ واحدٍ يُبرهن بكلماته السَّهلة وأسلوبه التلقائيِّ العذب على ما كان للشِّعر الجاهليِّ من أثرٍ في الكرِّ والفَرِّ وفي المعارك والحروب، هذه هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان بن حرب صحبت جيش قريشٍ يوم أحد، وكانت مع نسوةٍ أخرياتٍ يضربن الدُّفوف ويُغنِّين:
نـحــنُ بَـنــاتِ طـارقْ نـمشي على الـنَّمـارقْ
والـمِسْكُ في الـمَفارقْ والـدُّرُّ في الـمَـخـانـقْ
إنْ تـُـقــبِـلـوا نُـعـانـقْ ونَـفــرشُ الــنَّــمــــارقْ
أو تُــدْبِــروا نُـفــارقْ فِــــراقَ غـــــيْــرِ وامِــقْ
هل من كـريـمٍ عاشقْ يَـحـمي عن الـعَـواتِــقْ
وسواءٌ أكانت هذه الأبيات لهند بنت عتبة أو لهند أخرى قبلها واستثمرتها في استقبال المعركة على سبيل التمثُّل بها، فإنَّها تُظهر لنا ما كان للشِّعر الجاهليِّ من دَوْرٍ إعلاميٍّ وتحريضيٍّ خطيرٍ في صُنع النَّصر أو صُنْع الهزيمة ... شعر المعلَّقات هو شعر امرئ القيس:
أفاطمُ مَهْلًا بَعْضَ هذا التدلُّلِ *** وإنْ كنتِ قد أزْمَعْتِ صَرْمي فأجْملي
وهو شعر عَمْرو بن كلثوم:
أبـا هِـنْـد ٍفـلا تـعْـجَـلْ علـيْـنا ** وأنْـظِـرْنـا نُـخَــبِّــرْكَ الــيَــقـيــنـا
وهو شعر زهير بن أبي سلمى:
ومن يَكُ ذا فضْلٍ فيبخلْ بفضلهِ ** على قـوْمِهِ يُـسْتغْـنَ عنه ويُـذمَـمِ
وهو شعر طرَفة بن العبد:
إذا القومُ قالوا مَن فتًى خِلْتُ أنَّني ** عُـنِـيــتُ فـلـمْ أكْسَلْ ولم أتـبـلَّـدِ
وهو شعر لبيد بن ربيعة:
وإذا الأمــانةُ قُـسِّمَـتْ في مَعْشَرٍ ** أوفى بـأوْفَــرِ حَـظِّـنـا قـسَّامُهـا
وهو شعر عنترة العبسي:
يـا دارَ عَـبْـلـةَ بـالجـواءِ تـكـلَّـمي ** وَعِمي صباحًا دارَ عَبْلةَ واسْلمي
وهو شعر الحارث بن حِلِّزة اليَشْكريّ:
آذنَــتْــنـا بــبَــيْـنِـهـا أســــمـاءُ ** رُبَّ ثــاوٍ يُــمَـلُّ مِـنْـهُ الــثَّــواءُ
وهو شعر النَّابغة الذُّبياني:
يـا دارَ مَيَّـة َبالعْـلـيـاءِ فـالـسَّنَـدِ ** أقْـوَتْ وطالَ عليْها سالفُ الأبَـدِ
وهو شعر الأعشى:
وَدِّعْ هُرَيْرَةَ إنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلُ ** وهل تُطيق وَداعًا أيُّـهـا الـرَّجُلُ
وهو شعر عبيد بن الأبرص:
وكــلُّ غــــائـــبٍ يَـــؤوبُ ** وغـــائِـبُ الــمَـوْتِ لا يَـــؤوبُ
وإذا عدنا إلى قصيدة (الفيلطوز) تلك فإنَّنا نجد مَن عدَّها من التَّرَف، ومن عَدَّها من الفكاهات والطُّرَف، وهناك مَن حذَّر من استعمال ألفاظها لأنَّها تُزري بلغة العرب أهْل الفصاحة والبلاغة والشَّرف، وأيًّا كان فهناك قصائد مشابهة قيلت في الرَّدِّ على أهل الحداثة لمجاراتهم في الغموض، والتَّندُّر على أساليبهم في شعرهم المَعروض الذي لا يشبه إلَّا الأوْرامَ مِن لَسْعِ البَعوض...
قلتُ لصديقي: هذا يعني أنه لا يوجد من الشُّعراء من هو ابن فأر! فقال: كيف يكون غضنفرًا وهو ابن فأر؟ هذه المهازل لا تحدث إلا في أيَّامنا يا رَجُل.
بقلم الأستاذ : عصام علوش ـ سوريا