وداعاً يا أبـي
(في رثاء والدي رحمه الله)
إذا ما الضّوء حَلّ بهِ انْطِفاءُ
وسَـادَ الْـكُـونَ ليْــلُ لا يُـضَـاءُ
ومَـدّ الـدّمْعُ مَجْرَىً لِلْـمَـراثي
فَـمَـا أغْـنَـاكَ دَمْــعٌ أو رِثَــــاءٌ
وصارتْ كلّ أحرفكَ ابتذالاً
يُــرتّبـها بــلا وعـــيٍ هُــراءُ
فَقِفْ يا أيّها القلب الـيعاني
فراقاً بَـعْـدهُ عَـــزّ اللّــــقـــاءُ
فِراقـــاً لا وصــــالاً بَعْـدُ إلا
إذا تُـطْـوى وتنفطرُ السماءُ
وقُلْ واحسرتاهُ على مُصابٍ
بُليـتُ بـهِ فـقـطّعني البَـلاءُ
*وداعاً يا أبي* والحرفُ يبكي
وهل يُغْني لدى المَوْتِ البُـكـاءُ؟!
*وداعَــاً يا أبي* ياطُـهْـرَ قَـلْـبٍ
تُـقَـدّسُـهُ الطّـهارةُ والنَّـقـاءُ
وداعــاً يامــلاذَ الــرّوحِ لَـمّــا
يُحاصِرُها معَ البؤسِ الشقاءُ
وداعــاً ياظِــلالاً مِــــن أمَــانٍ
لنَا فيهِ مِنَ الخوفِ احتماءُ
وبَـرْدَاً من لَظى صيفِ المآسي
ودفءاً عندما يعوي الشتاءٌ
وداعــاً ياشُــمــوخَ الصبرِ لمّا
ارْتَضى أن يصطفيهِ الإبْتلاءُ
وداعـاً يا نَـديَّ الْـكَـفِّ يـامــنْ
إلـى كَـفَّـيْـهِ يَنْتَسُبُ السَّـخَـاءُ
وداعاً يابشوشَ الوجهِ حتى
كــأنَّ الـوجْــهَ للظّـمــآنِ مــاءُ
وداعاً ياحكيمَ اللّـفْـظِ لَفْـظَـاً
كـــأنّ الْــحَـرْفَ لِـلْـعَـانـي دَواءُ
وداعـاً قُلْـتُـهَـا يـالَـهْـفَ نفسي
عليكَ، وبي من البؤسِ امتلاءُ
خَلا مِنْ صَوتِكَ الدّافي مكاني
فـكُـلُّ أمَــاكِـنِ الــدُّنْيا خَلاءُ
وقَدْ أفْضَيتَ للرّحمن لكنَّـ
ـنِي قدْ ضاقَ بي هذا الفضاءُ
فقلبي مُثخنٌ والعينُ تهمي
وكُلُّ الأرضِ من حَولِي خَواءُ
نـِــهــايـاتٍ إذا جَـاءتْ تَــــوارَى
أمَـــامَ الْـهَــولِ فيها الإبْتِدَاءُ
وغَصّتْ بالأَنِـيْـنِ الْـمُـرِّ شُـهْـبٌ
لــهــا فـي كُــلِّ جَـارِحَـةٍ عُوَاءُ
تـَقَـاذَفَـني مِـنَ الآهَـاتِ موجٌ
كـأنَّ ظَـلامَـهـا الْـهَـامِي مساءُ
وبؤسٌ كانْـهِـيـاراتِ الأعَـالِـي
عَـلَـى كَـبِـدٍ تَـعَـمّـدَهُ الْـعَـناءُ
هَـمَى هَـمٌّ كَـأهْــوالِ اللّيَالي
إذا ما اجْـتَـاحَـهَـا صـِــرٌّ وَدَاءُ
وآهَــاتٌ كَـطَـعْـنَــاتٍ تُـــــوالى
عَــلـَى قَــلْــبٍ تَـوَلّاهُ الْــوَلَاءُ
وَلاءٌ صــادقٌ لِـبَـقَـاءِ ذِكْـرَىً
يُـخَـلِّـدُهَا مع الحُـبِّ الوَفَــاءُ
*أبي..* واااحَرَّ قَلْبي مِن فـرَاقٍ
بَعُدْتَ بهِ فما أجْدَى النِّدَاءُ
ووااااحُـزْناااهُ واااشَوقاااهُ، هذا
رحِـيْـلٌ لا يُؤَطِّــرُهُ الْــرّجَـــاءُ
ولا أملٌ بأنْ يحويكَ حُضني
فواااأسفاهُ مابَــقِـيَـتْ سَـمـاءُ
أنا ياوالدي (الغالي) كسيرٌ
بِـفَـقْـدِكَ لا يُجبّرُنِي عَزاءُ
ولا الأيامُ تُنْسِيْنِي حَــنَـانـاً
وعَـطْـفَـاً مِنْكَ أبْقَاها الْبَقاءُ
فما بَقِيَ الفؤادُ حَلِيْفَ نَبضٍ
ستبقى أنتَ في نبضي الدِّماءُ
ومابَـقِـيَتْ بأنْـفَـاسِـي حَــــيَــاةٌ
ستبقى أنتَ في رئتي الـهـواءُ
سأدعو اللهَ أن تَرقى سعيداً
لِجَـنّـتِهِ ، وقَـدْ طَــابَ ارْتِـقَـاءُ
وأنْ يُرْضِيكَ في جناتِ عَدْنٍ
بِـمَـا أمّــلْــتَــهُ وبـِـمَــا تَـــشَـــاءُ
فَــكَــمْ نــاجَـيْـتَـهُ ورَجَوْتَ عفواً
ولِـلْـسَّـجْـدَاتِ بالنّـجْــوى الْتِقاءُ
وكمْ أعْلَيتَ صوتَ الحقِّ فجراً
بصوتٍ فـيــهِ صِـدْقٌ وانْـتِـشَـاءُ
أذانُــكَ كـانَ غَـيْـثاً من جَــمَـالٍ
لَهُ بالفَـرْضِ والـدِّينِ احْـتِـفَـاءُ
رحلتَ فمسجد التقوى حزينٌ
وكــلُّ الْـكَـونِ صَـمْـتٌ وانْـطِـفَـاءُ
مَضَيْتَ وذا قضاءُ الـلــهِ فـيــنـا
ونَـرْضَى عِـنْـدما يأتي القضاءُ
مَضَيْتَ وكلُّ حيٍّ سوفَ يمضي
فَـما للنّـاسِ في الـدُّنْـيـا بَـقـاءُ
وهــذا القَـبْـرُ مَــأوى كُــلِّ حَيٍّ
ومَـالي غـيْـر في هذا الْـعَـزَاءُ
✍محمد الشافعي..
ليلة الجمعة 2019/6/26م
الموافق 25شهر شوال 1440هـ
