تابع...
#ثقافة_أدبية..
رحلـــة في ديوان العــــرب.. (56)
︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾
🔳 من ألــوان الشــعر العــربي:
◼ رثاء المــدن والممــالك (2-1):
عرف الأدب العربي رثاء المدن غرضًا أدبيا في شعره ونثره. وهو لون من التعبير يعكس طبيعة التقلبات السياسية التي تجتاج عصور الحكم في مراحل مختلفة.
وهذا النوع من الرثاء لا يقف في حدود عند رثاء المدن وحدها حين يصيبها الدمار والتخريب ولكنه يتجاوز ذلك إلى رثاء الممالك تارة والعصور تارة أخرى. بل قد يرثي الدولة بأسرها؛ كما حدث ذلك في الأندلس. وقد تميز هذا الغرض من رثاء المدن في الشعر أكثر من تميزه في النثر.
ويُعد رثاء المدن من الأغراض الأدبية المحدثة، ذلك أن الجاهلي لم تكن له مدنٌ يبكي على خرابها، فهو ينتقل في الصحراء الواسعة من مكان إلى آخر، وإذا ألم بمدن المناذرة والغساسنة فهو إلمام عابر. ولعل بكاء الجاهلي على الربع الدارس والطلل الماحل هو لون من هذه العاطفة المعبّرة عن درس المكان وخرابه.
* * *
◾️ رثاء المدن في المشرق:
عرف المشرق قدرا من هذا الرثاء شعرًا، عندما تعرضت عاصمة الخلافة العباسية للتدمير والخراب خلال الفتنة التي وقعت بين الأمين والمأمون. فنهبت بغداد وهتكت أعراض أهلها واقتحمت دورهم، ووجد السّفلة والأوباش مناخًا صالحا ليعيثوا فسادا ودمارا. وقد عبر الشاعر أبو يعقوب إسحاق الخريمي، وهو شاعر خامل الذكر، عن هذه النَّكبة في مرثيته لبغداد فقال:
يابؤس بغداد دار مملكة
دارت على أهلها دوائرها
أمهلها الله ثم عاقبها
حين أحاطت بها كبائرها
بالخسف والقذف والحريق
وبالحرب التي أضحت تساورها
حلّت ببغداد وهي آمنة
داهية لم تكن تحاذرها
ثم كان خراب البصرة على يد الزنج في ثورتها المشهورة. فأشعلوا فيها الحرائق وحولوها إلى أنقاض ودمار، فوقف الشاعر ابن الرومي مذهولا بما حدث فقال:
كم أخ قد رأى أخاه صريعا
تَرِبَ الخد بين صرعى كرام
كم مفدّى في أهله أسلموه
حين لم يحْمه هنالك حامي
كم رضيع هناك قد فطموه
بشبا السيف قبل حدّ الفطام
وبالإضافة إلى هاتين المرثيتين، حفل ديوان رثاء المدن في المشرق، بطائفة من القصائد تتحدث عن تلك المدن التي اسقطها هولاكو وتيمور لنك.
وكذلك استثارت نكبة بغداد على يد هولاكو عاطفة عدد من الشعراء مثل شمس الدين الكوفي، ومن أبياته قوله:
إن لم تقرّح أدمعي أجفاني
من بَعْدِ بُعْدِكُمُ فما أجفاني
إنسان عيني مذ تناءت داركم
ما راقه نظر إلى إنسان
مالي وللأيام شتت خطبها
شملي وخلاني بلا خلان
ما للمنازل أصبحت لا أهلها
أهلي ولا جيرانها جيراني
وتعد مرثبة الشيخ تقي الدين إسماعيل بن إبراهيم التنوخي في القرن السابع الهجري أشهر مراثي بغداد حين خربها هولاكو. يقول في آخر القصيدة:
إن القيامة في بغداد قد وجدت
وحدّها حين للإقبال إدبار
آل النبي وأهل العلم قد سُبيوا
فمن ترى بعدهم تحويه أمصار
ماكنت آمل أن أبقى وقد ذهبوا
لكن أتى دون ما أختار أقدار
وكذلك كان رثاء دمشق عندما سقطت في أيدي التتار فتعاقب على رثائها كثير من الشعراء مسجلين ذلك الحدث ومنهم الشاعر علاء الدين العزولي في قوله:
أجريت جمر الدمع من أجفاني
حزنا على الشقراء والميدان
لهفي على وادي دمشق ولطفه
وتبدل الغزلان بالثيران
واحسرتاه علي دمشق وقولها
سبحان من بالغل قد أبلاني
لهفي عليك محاسنا لهفي عليـ
ـك عرائسا لهفي عليك مغاني
ولكن هذا اللون في المشرق لم يزدهر ازدهاره في الأندلس، ويعزى ذلك إلى أن طبيعة التقلبات السياسية في الأندلس كانت أشد حدة وأسرع إيقاعا، وأنها اتخذت شكل المواجهة بين النصارى والمسلمين حين تجمع الصليبيون عازمين على طرد المسلمين وإخراجهم من الأندلس.
يتبــــــع..
┄┉❈❖❀✺❀❖❈┉┄
من مختارات:
سلطان نعمان البركاني