‏إظهار الرسائل ذات التسميات رواية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات رواية. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

*قسيسة من خلف الضباب5* رواية للكاتبة:- عفاف البعداني

📃قسيسة من خلف الضباب5
-------------------
عفاف البعداني

-بعدها تم دفن السيد/قرعدستان….  بقرب شجرته وأقمت عزاء مع نفسي البائسة لايقيمه أحد على وجه اﻷرض، مضيت وقتا تحت تلك الشجرة، وفي وطأة الليل الحالك هام بي الحزن وبكيت حتى كادت عيناي أن تغادر اﻷحداق وبدون أي تذكرة للعودة، ذهب الدجى وتبلج الصباح وبدأ اللون البرتقالي يظهرعلى الأرجاء استقيظت الحياة ولكن لم يستيقظ معلمي معها، كان الأمرمريبا نوعا ما ،لقدشعرت أن هناك روح تراقبني وتقترب مني ولكن أحددماهيتهابالرؤية الواضحة ،تعاظم هذا الشعور فإذا بي أشم رائحة زكية تنبعث من القبر ، ورياح لطيفة تحوم حولي كفكفت دموعي وشعرت بأن شي ء سيحصل شيء مولود من خاصرة هذه اللحظة ،ربما هو  ماأنتظره منذ وفات سيدي الراحل.

لم يكن حدسي مخطأ يازهرة… .لقد استمرت الرياح تداعب الأرجاء وتوجهت دفعة واحدة نحو لحاء الشجرة، وماهي إلا ثواني ،وظهر باب على هيئة كتاب مفتوح مغطى بالنقوش القديمة،والخطوط المتشابكة،ورسومات للطبيعة انبهرت !!وفقهت أن هذا هو السر الذي يريد أن يخبرني به سيدي الراحل، في بادئ الامرخفت وأمسكت حواف القبر وكأني أستلهم الأمان والإذن من تلك الروح النائمة،  وجاء صوت ناعم يقول :.. افتحِ ذلك الباب لولم يكن الصوت الذي سمعته يشبه صوت قرعدستان لما قدمت لفتحه،  لِعِلمي أن هناك خدع لأصحاب  الوردة السوداء ، ولكني فطنت أنه صوت لمعلمي مسكت الكتاب !بل أقصد الباب !فإذا به يفتح نفسه، خطوت نحو المكان وأُغلق لحاء الشجرة،ولم يساورني الخوف ،حينها رأيت مكتبة عظيمة فيها أروع الكتب وأجملها، وهناك مدخل صغير لتدفق أشعة الشمس ،ومساحة جميلة تضم في قلبها شجرة عنب، وكأنّ المكان مهيأ  لجل متطلبات الحياة.

مكثت فيه عشرة أيام وأنا اقرأ الكتاب الأول الذي يتحدث عن العشق الروحي ، ولكن العجيب في الأمر أن المكان هو نفسه الممر الذي عبرت به لعالمكم وإلى ذلك الكهف ؛لأرى جمال وبهاء طبيعتكم الخلابة ، اكشتفت بعد مدة أن تلك الشجرة العظيمة، لم تكن مجرد شجرة بل كانت ممرا سريا لمعلمي الراحل ولكنه لم يخبر به أحد ، وقد أهداني إياه لعلمه أني لم استطع البقاء بعالمي بعد رحيله وهكذا برحت في ذلك المكان اقرأ وأراه معي في كل صفحة وفي كل سطر ومع كل صبح مشرق .

-زهرة تسألها.. وعالمك لم تعودي إليه؟؟

-لا…  لقد مضى زمنا طويلاً وأنا غائبة عنه ولا أنوي العودة أبدًا فربما أصحاب الوردة السوداء قد افسدوا كل شيء جميل في قريتنا البعيدة.

انتفخت عيونها وأصبحت حمراء مخيفة وجلدها أصبح يقشعر وكأنها تريد أن تفقد الوعي وتريد أن تطير بعيدًا عني ،تريد أن تلملم شتاتها ؛كي لا تبدو أمامي بتلك الحالة .

تقول زهرة:… انتهت القسيسة من البوح وبدأت فيني كل الأحاديث ،صمتنا لمدة عشر ثواني وداخلي يحاول استيعاب كل تلك اﻷحاديث….وبعدهنيهة الصمت ،أخبرتها أتعرفي!!  أيتها القسيسة لقد تحققت سنة الله في الكون المليء بالأسرار، ،وفطنت أن الحروب قائمة في كل العوالم المرئية وغير المرئية ،ولكن السلام والخير يبقى مع فئة قدتكون قليلة ولكن هي مخلدة في تأريخ الواقع وأمجاد  الشعوب ولها سطوة على كل أحداث العالم، تأملي كيف أنك لازلتِ تكني لقرعدستان كل هذا الولاء رغم أنه قد مات وربما أن هناك الكثير يكتنزون ذكرى ثمينة له ،فأرواح الطيبين عادةً لاتموت، تظل معنا طيلة الوقت ولايختفي ريحها رغم تلوث الهواء.

-القسيسة..  لم تتلفظ بأي كلمة وهي شاردة الفكر .

- يبدو أنها لم تسمعنِ وكأني كنتُ أتحدث مع نفسي ،لا ألومها فحجم الألم منحوت في وجهها المريب رغم جماله ،ولكن ماقولي حيال ماتشعر به وليتني أمتلك الركيزة العقلية التي تجاري حادثة فكرها المؤلم ،رغم أن بداخلي أشياء إلا أنني عاجزةعن الرد .

في تلك اللحظة  خطرت في بالي فكرة وهي كالتالي أخذت ورقة ناصعة البياض ،وقلم أسود، لونت الورقة بالكامل بلون الليل الحالك القسيسة بدأت تصغي أمام ما أفعله رفعت الورقة وهي سوداء بالكامل ،سألتها مالذي تريه هنا ؟

-نظرت نحوي وكأنها تنافي السؤال بعدم الإجابة وبعد ثواني قالت :هي ورقة سوداء ولاخلاف في هذا .

-،نعم ورقة سوداء.
- حسنا ركزي مالذي سأفعله أخذت قلم أبيض وكتبت نقطة ورفعتها وهذه ، زاد بها الغضب.

-لستُ طفلة يازهرة، لما تعاملينني بهذ الشكل!  .

-استمريت بوضع نقاط بيضاءحول بعضها ولم أنتبه لردها، توسعت الدائرة البيضاء في الورقة السوداء ،بعدها حولت تلك الدائرة ألى قلب أبيض ينبض بالحياة في كبد السواد اكملت اللوحة ،ولأنها فطنة بدأ يستفيق وعيها نحو مارسمت ظلت تنظر.

صعدت فوق الكرسي وﻷني عميقة التصور،تخيلت أني في المنصة وهناك الجمع الغفير من المشاهدين ينظروا نحوي ومنهم تلك القسيسة،وبنبرة تملؤها الدعابةقلت:"عزيزاتي… سادتي…  أعرف لست رسامة كفرانسيس وليست هذا اللوحة معروضة للبيع ،ولكن إنني أعتبرها لوحة فكرية باهضة الثمن ،وأتمنى من حضرتكم أن تنظروا لها بعين الشفقة والرحمة فهي بحاجة لكرم وعيكم  هلموا أيها السادة واشتروها مني ".

-القسيسة… بدأت تفرد عضلات خدها الجميل ،وتبتسم وقبل أن تتلفظ بكلمة .

-قلت لها ياغريبة : لستِ طفلة ولستُ بساذجة ،ولكن هذه الورقة السوداء لو لم أضع عليها نقطة وتلو النقاط بالقلم الأبيض لما توسعت مدارجها النقية، وتشكلت قلبًا أبيضا بهذا الجمال،ومارأيك في استئناف القلم الأبيض بمعالم السواد، هل هو نفس الحال إن بقي القلم الأبيض وحيدًا  في مقلمته ،بعيدا عن وطنه الملوث وهو قابعا في شجرة بعيدا كل البعد عن عالمه.

*قسيسة من خلف الضباب6* رواية للكاتبة:- عفاف البعداني

📃💨قسيسة من خلف الضباب6--------------------------
عفاف البعداني

-تُبحلق وكأنّ عينيها سوف تقفز لاصتياد الجواب قائلة:.. لقد عرفتُ يا إنسية هل تقصدي بأن أعود إلى عالمي، هل تقصدي أن براءة الورق مرتبط بتواجدي في قلب الشجرة، وهل تعتقدي أني أحمل قلمًا أبيضًا كمعلمي قرعدستان، وأن  النقطة ستحيا وتكبر لتكون قلبًا وهي لوحدها، لا… ،لا أظن لقدذهب معلمي وقدكان أفقه من كل القساوسة في عالمي،وقُتل ولم يستطع أن يواجه أصحاب الوردة السوداء.

-ولكن يكفي أنه حاول واستمر وخلد له تأريخًا في ذاكرة عالمكم ،ويكفي أنه ترك لك القلم ولم يأخذه، فالعلم والخير ليس مقصورا على شخص واحدا  بل هو متوارث، وإني لأجد القلم الأبيض بحوزتك .

-القسيسةبدهشة: القلم…. أين هو ليتني أمتلكه! ؟
- تمتلكيه أتعرفي تلك البوابة وذلك الكتاب الذي فتح قلبه نحو الشجرة، هو بحد ذاته وحي لقلم أبيض قادم من ولاءك  لقضية معلمك .

- أنتِ محقة إذًا هذا هو لغز وصية قبر قرعدستان بقرب شجرته، ولكن هل تظنين أني أستطيع! ؟

وبينما زهرة منهمكة معها بالحديث إذ باﻷُم /سديم…  قد رجعت  من السوق وتصعد للغرفة وتنادي: ابنتي… .زهرة لقدوصلت ،واشتريت لك حلوى رائعة ،وعقدا جميلا ،تعالي ياعزيزتي.

تقول زهرة: سُعدت كثيرًا وركضت مسرعة ليس فرحا بما أحضرته أمي، وإنما طربا بأني سأعقد مقابلة بين أمي والقسيسة، حتى تدرك أني محقة ولست مجنونة جبل الضباب. 

-أُمسك بيد أمي وأشدها بحب نحو غرفتي ..تعالي… لدي مفاجأة.
-زهرة مابك ولما تشدينني، هدئي من روعك .
- أمي انظرِ من زارني اليوم ..

-تدور أعين سديم الواسعة في أنحاء الغرفة ولاتجد أي أحد زهرة هل أنتي بخير ،لاأرى أحدا؟؟؟
-  أمي انظرِ هناك على المقعد ولم انتهِ من كلامي إلا واشتعل الرأس فيني شيبًا، فأنا لم أجد القسيسة اختفت بسرعة البرق ولم تترك لي أي أثر.

- زهرة ماذا يحصل من الذي زارك تكلمي ؟؟؟
-أرد مرتبكة وقدهوى فكري إلى قاع المخاوف الغامضة: لاشيء يا أمي العزيزة ،أردت فقط أن أُريك الثوب الذي صنعته بغيابك.

ابتسمت سديم وهي مليئة بالشك تعلم يقينا أن ابنتها تخفي أمرًا ،ولكي لا تزيد زهرة  من قلق أُمهاغيرت الموقف قائلةً:أمي مالذي اشتريته لي من السوق ؟

-تعالي وانظري.
- كانت الحلوى المفضلة عندي وكان العقد فيروزيا يتﻷﻷ كالبدر المكتمل ، تصنعت ملامح البهجة اﻷنوثية، والفرحة الطفولية، ورحت أتلمس وأحدق في العقد واهمة أمي بأني أعدحبات الؤلؤ، وفي الحقيقة أني شاردة الفكر في كل ماحدث قبل قليل في غرفتي مع القسيسة .

-تكمل زهرة سردها قائلة:.. أعددنا الطعام وتناولنا الغداء، وعلى حين راحة، أخي اتصل بأمي أنه لن يرجع من الجامعة لبيتنا بل سيقيم في بيت عمتي سارة لمدة شهرين، حتى يخفف تكاليف الدراسة، اقتنعت أمي برأيه رغم حزنها الذي كان باديًا عليها.

غسلت الصحون وبدأ الأذآن يصدح ويمحو من مدينتي الضبابية كل آثام العالم ،كان صوت المؤذن هذه المرة مختلف وكأنه يمتص شتاتي، وهشاشة روحي المترعة بالتعب، توجهت للصلاة ورفعت يدي لله رأجية أن يحفظ لي أمي التي أراها حياتي الأولى والآخيرة في هذه الحياة، طالما تحاول أن تنسيني رحيل أبي، لم أشعر أني يتيمة كون حنانها يرافقني باستمرار،  دعيت لأخي البعيد الذي يحلم بأن يكمل شهادته الجامعية ليصبح فردًا نافعا للدفاع عن الوطن ويسلك طريق أبي في الجهاد، اختتمت الدعاء لأبي الراحل -السيد جواد-  أخبرته عبر بريد روحي بأني اشتقت إليه وأتمنى أن أراه ولو للحظة كم أود إخباره أني كبرت وأصبحت هذا الشهر عشرينية عاقلة أُجيد إخفاء دموعي وشوقي له بحضور أمي الصابرة. 

اختتمت دعائي وانتهيت من الصلاة رفعت السجادة،وأخذت الأذن من أمي ؛كي أذهب إلى المركز وأقيم بعض الدروس لطالباتي اللاواتي ينتظرنني بشغف،أمي تجمع صديقاتها وينهمكن في حياكة الأثواب الصوفية للمجاهدين خلف المدينة فالبرد هذه الأيام قارص وبشدة.

وصلت للمركز وبدأت الدرس كان حول الثقة بالله …. اختتمت الدرس بتلاوة شجية لعزيزتي نوال،كان صوتها جميل يزيح جبال من كاهلي ، ويأسرني في بوابة من الراحة،انتهى الدرس الساعة الخامسة إلا ربع ، وأنا في مقربة الباب إذ تقترب مني نوال وفي فمها كلام ،نوالي هل تريدين إخباري بشي ء.

-أممم نعم;  أعني لا ;أعني نعم.

-نوال مابكِ مرتبكة تعالي، مسكت بيدها وكانت باردة ،في عز الارتجاف، جلسنا في زاوية المسجد فإذا بها تنظر لي وعينيها مليئة بالدموع ،سألتها لما تلك الدموع بدأت أقلق أخبريني ؟؟
-زهرة.
-ياعيونها مابك.
-أنا بائسة وأخالفك تمام عندما قلتِ أن الله معنا في كل لحظة.
-لما مالسبب الذي جعلك تقولي هذا!!

- أبي…  غدًا سوف يزوجني على رجل كبير  ولمنطقة بعيدة عن حدود الضباب، أغراه ثراءه ولم يكترث بأني لا أريد الزواج الآن وقريبًا سيتم عقد القِرآن ،وقد دعيت الله ودعيت ولم يحدث شيء، لا أريد أن أتزوج ،و لما الله لايبعد هذا الرجل عني ،لما الله لم يسمعني وأنا أبكي بحرقة،إن حدث هذا سوف تنتهي حياتي وساموت متأثرة بفستاني الأبيض ولن أسامح أبي ماحييت .

لم تكف عن الدموع لقدكانت مرهقة لدرجة أنها لم تعد تتفوه بأي كلمة سوى سيول من البكاء ظليت بقربها وهمست في أذنها :((نوالي" الله قد هيأ لنا الحياة قبل أن نأتي نحن البشر، ولن يحدث إلا ما أراده الله ،هو يعلم أن هذا القلب ينبض بالحياة وهو متكفل بسعادته،يعي حوادث الأشياء قبل أن تأتي ويحصي ورق الخريف قبل سقوطها، الله يعلم بأمرك وهو أهلا لتقبل دعائك في البارحة ،واقطعِ حبال العجلة توجي نفسك بالصبر والتوكل على الله ارمِ حقائب روحك الثقيلة،وحلقي بفكرك خفيفة المتاع نحو السماء فالحياة تتطلب منا قلبا خفيفا لاتسكنه هموم البشر ،ولاتظنِ ولومحظ ظن أن تأخر الإجابة معناه أن الله ينسى حاشاه ؛بل هناك حكمة تقتضي ويجهلها عقلنا البسيط )).

*قسيسة من خلف الضباب7* رواية للكاتبة:-;عفاف البعداني

📃 *قسيسة من خلف الضباب7*
------------------------------
عفاف البعداني

-لقدخفت عليك وظننتُ أنك سوف ستتزوجي بجدي /حمادي… ..

-تضحك نوال وهي في خِضم بكاءها تقول: ومالذي سردته لك قبل قليل يازهرة…  هو بالضبط الوجه الثاني لجدك حمادي .

-ابتسمت وهدأ روعها وكفكفت دموعها ،وهمستُ في أُذنها هل هناك شخص آخر يقطن في قلبك غيرجدي حمادي.
-تُحمر وجنتيها وتصمت قائلةً :لا لقدذهبتِ لمكان بعيد.

-سوف أحاول أن أُصدقك! عمومًا ادعي الله كثيرًا وسيكتب لك الخير.

-أتعرفي الحديث معك أشبه بالمسكن يحتدم الألم فيه ثم يهدأ فجأة، وكأنّ روحك خُلِقت خصيصًا للحيارى والبائسين ،ممتنة لك زهرتي.

-وأنا أيضًا ،ولكن امسحِ الدموع وهيا نعود للمنزل .

تقول زهرة:… خرجنا الساعة الخامسة وعشرون دقيقة 5:20م، عدت إلى بيتنا وقد صنعت أمي وأصدقاءها عددًا كبيرا من المعاطف، والبعض صنعوا المعجنات،في تلك اللحظة شعرت أن بيتنا الصغير تحول لبقالة أو محل تجاري،  أو ربما محل للبيع لايوجد مكان فارغ حتى تقعدعليه، المكان مليء بالمدد فغدًا سوف يتم إرسالها للجبهات ،خارج مدينتنا الضبابية، شعرت بمنجز عظيم ؛لأن مدينتنا أصبحت تتهيأ للجهاد وتضع بصمتها في وادي الضباب.

بعدالعشاء أعددت ﻷمي شرابا ساخنًا من الزعتر؛ كي يخف صداعها ويقل أرقها شربته أمي وتمنيت لها ليلة سعيدة.

توجهت لغرفتي وبدأت معاركي الذاتية تشتعل وتتحول الغرفة إلى مدن من المرايا التي جسدت أحداث اليوم ابتدءًا من اختفاء القسيسة، وصديقتي نوال وانتهاءًا بصداع أمي.

تعبت ولم أقوى على المواجة أخذت مذكرتي في الساعة العاشرة  أضاءت الشمعة التي قد انقضى نصفرعمرها بالأمس وبدأت أكتب في مذكرتي.

((10:00//م…اليوم تراكمت الأحداث وأصبحتُ غارقة بفرط من الشعور; نعم أيتها المذكرة لقد خانتني شجاعتي في حضرة القسيسة، وتملكتني الريبة عندما اختفت فجأة، وانحرجت أمام أمي، وكم هو شعور صعب أن ترى شخصًا لايراه الآخرين!!  وتحدث مخلوقا لاتسمعه سوى روحك المتعبة ،ففي الوقت الذي تحاول فهم العالم يأتيك العالم دفعة واحدة، وبطريقة خارقة عن المألوف، وكما أنني أحب التعمق ولكن ليس بالقدر أنني أستطيع أن أعيش معه بمعطف سميك من الريبة، أيضا أيتها المذكرة هناك شيء اختتطف ساعة نومي الهادئة فأنا لازلت أتذكر دموع نوال وأي أب عساه يضحي بابنته مقابل المال ، وفجأة انطفأت الشمعة ولم أستطع أن أكمل شعرت بالخوف وأخذت القرار بأن أهجراليوم غرفتي، حاولت أن أستعين ببصيرتي؛ كي أمسك بالطرحة والوسادة ،كالليل إذاعسعس وصلت وأخذتها وتوجهت نحو أمي ))

-طرقت الباب ،أمي رحبت بي مداعبة
- "أهلاً بالضيفة الجديدة"
-هنا فندق سبع نجوم؟؟
-نعم;  تفضلي .
-هل يوجد عندكم متسع لنازحة من غرفتها المظلمة!؟؟
-نعم قلوبنا من ستسعها.

أغلقنا الباب وقلت: أمي…  لقدخِفتُ اليوم من غرفتي قررت أن أنام بقربك، لقداشتقت لحضنك ياأمي، هل فعلتِ هذا كماكنتِ تفعليه وأنا صغيرة امسكِ بشعري واحكي لي حتى أنام .

-حاضر زهرتي اليوم أنتي في ضيافة قلب أمك.

كانت أمي سديم تخلل أصابعها الحانية بين خصلات شعري وأشعركما لو  أني طفلةالعالم السعيد، أمي هل اشتقتِ ﻷبي ،حدثيني عنه أكثر ،كم اشتاق إليه واتذكر صوته وكلامه الجميل  .

تصمت أمي وفي عينيها تتلألأ الدموع… زهرة سأخبرك صحيح أني أشتاق له وكم أتمنى لو أنه بيننا؛ كي نتقاسم أصناف المعيشة، ولكني تجاوزت هذا الشعور بتسليم قلبي لله .

-كيف  استطعتِ ياأماه ؟؟!

-حسنًا سأحكي لكِ: أبوك في الفترة الأخيرة وقبل أن يذهب إلى جبهة( (…..))قال لي بنبرة غريبة:  إنني أعشق الشهادة وأتمنى أن أنالها .

-ونحن ياجواد بهذه السرعة تريد أن تتركنا، صدقني سوف أجن إذا استشهدت، ولن أهدا إلا بعد الفين عام.

-عزيزتي سديم… إن لكِ مكانًا في قلبي لاتسعه سماءٌ ولا أرض وإن هناك حبًا عظيمًا أكنه لولديًّ جهاد وزهرة، ولكن الوطن الأن بحاجة إلينا أكثر من أي وقت لو جلست معك وأقفلنا مدينة الضباب وتركنا الجهاد سوف يأتي المرتزقة وسوف تحلق الطائرة لنموت جميعًا ونحن في بيوتنا، ومن هنا سنعي أن الموت لانجأة منه نحن سنموت! سنموت! اليوم ،غدًا ،الشيء المختلف هو الطريقة التي تهيأنا بها للسفر إلى الله،

وأنا وأثقٌ بالله ،وعلى يقين أن قلبك سيظل قويًا إن مت أو حييت، أنتي وردتي النادرة ، ومأمني الوحيد، أنا لم أخترك من بين النساء إلا وأنا أعلم أن عقلك عظيما سيقف واعيًا لكل متقلبات الدهر،أثق بأنك ستكوني أم مثالية، ورائعة لأولادي .

-بالكاد تمالكت نفسي حينها ،ولكن دموعي جرت وسبقت صبري، كنت أشعر وأعلم أنه يودعني في تلك الليلة،وأنها اللحظة الأخيرة التي ساسمع فيها صوته.

استيقظت باكرًا أعددت له الجعبة وعطرت له بدلته العسكرية،وصنعت له الكعك، وهمست قائلة: انتظرك ياعزيزي ،اهتم بنفسك في رعاية الله.

-بعدها رحل  جواد ولم يعد!!
لم يمضي إلا أسبوع واحد وتم إبلاغنا أن -السيد جواد- استشهد في ميدان العزة والكرامة.

مسحت دموعي وبنبرة ملؤها الشوق والحزن صبرت وحمدت الله، وكأنّ جواد قبل استشهاده أهداني قنديل أضيء به قلبي المعتم ،ومنحني ضمادة صبر أضعها على كل جرح يريد أن يشتعل، حتى أكون قوية ولااستسلم لهفوات القلب المميتة، وها أنا أكمل مابدأه ،وسوف أسعى جاهدة، لأكن أم مثالية وأصون أمانةجواد حتى آخر رمق لي بالحياة، ولا أخفيكِ أحيانا أعد الثواني التي سأذهب إلى حيث ذهب أباك .

-أمي.. كم أنتِ عظيمة وأفتخرفيك  تحزنين ولكن كأن الحزن ليس له سلطانا عليك، تشتاقين مؤكدا هذا !!  ولكن كأن الشوق يخاف من دموعك إن هطلت ﻷنها سوف تغرقه حيا في خفقات قلبك المتسارعة،أنتِ قوية ،وكأني فهمت للتو أن ما يغلف قلبك ويحميه من صروف الزمان هي ثقة بالله تقتادي بها كلما شعرتي بالضعف.

-بَخٍ ..بَخٍ !!  ابنتي زهرة إنك تشبهين أباك بكلماتك العذبة لقد كان محقا عندما قال: أنك ستكونين وريثة لأدبيته وحروفه.

هبط النعاس والنوم العميق فجأة وكيف له أن لأيأتي وأنا في حنايا أمي الدافئة، نمت وكانت أجمل ليلة قضيتها ،في حياتي بجوار أمي.

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2020

*قسيسة من خلف الضباب 14* رواية للكاتبة:- عفاف البعداني

قسيسة من خلف الضباب 14
----------------------------------------
عفاف البعداني

-تقرير التوصيل : فتحت الرسالة نوال صاحت باعلى صوتها خافت أمها، نوال، نوال ارجعي مالذي حصل؟؟

-نوال تسرع متوجهة نحو مجموعة من المجاهدين أين هو أبو حرب؟؟

-لقد غادر منذ ساعة سوف تجدينه عند مركز التوزيع الغذائي .

-وصلت نوال لمقر التوزيع، أين هو أبو حرب ؟؟
-أنا يا أختي مالذي تريديه؟؟
-اقرأ هذه الرسالة!!!!
--ماذا زحف في الجبل !!يالله كن بعوننا؟؟ ويردف قائلاً: ولكن قدتكون خدعة يا أختي.

-لا ليست خدعة زهرة صديقتي، وهي لاتكذب، أرجوك انقذوا  زهرة، لاتتركوها تحت رحمة الأوغاد، أرجوكم  اسرعوا زهرة في خطر.

-اهدأي أختي إن كان هذا صحيحًا فالجميع في خطر ليست زهرة وحدها!!!  يجب أن نكن يد واحدة ولاندع الخوف يسلطن علينا ، اقرئي  مالذي قالته صديقتك المجاهدة:" لامشكلة إن ماتت زهرة وبقيت مدينتي الضباب حية"  أنني أشعر أن الله سوف ينصرنا  بجهاد هذه الفتاة إنها تقدم روحها رخيصة في سبيل أن تحيا مدينتها، عودي إلى بيتك وأهل القرية عليهم أن يمكثوا  ولايخرجوا أبدا ونحن سوف نفعل ما أقدرنا الله عليه ومالنصر إلا من عند الله.

-سوف أحاول أن أجمع كل ما ينفع في سبيل المعركة!!

ترجع نوال لبيتها وتغلق الباب على نفسها تلتقي بروحها الهاربة وتعانقها بالبكاء، تبكي بكاءا لا يتحمله أحد ،ترفع يدها لله خالصة لتفضي كل خلجاتها وعندما تشعربأنها استعادت ذائقتها الروحية تبدأ تهيأ نساء القرية وأطفالها بأن يلزموا المكوث في البيوت وبدأت تجهز لهم العتاد، وهنا تقف نوال مرتاعة أمام بيت سديم تخطو بقدم وترجعها الثانية تمشي ببطءمصيري،  تصل إلى بيت سديم تقف ويدها ثقيلة لا يسعها أن تطرق الباب ،عزمت ورفعت كفها لتطرق الباب ووجها مطرق للإسفل فتحت لها الأم/ سديم.. .

-السلام عليكم.
-أهلا نوال… 
-أين ابنتي زهرة هل عدتم من الجبل ؟!!
-زهرة… زهرة….
-تكلمي مابها زهرة! ؟.
-حسنا اعطني الآمان في صبرك ياخالة.
-لقدبدأت أقلق تحدثي يانوال أنا راضية بكل ماسيحصل.!!!

-زهرة ذهبت الجبل ولوحدها ،وبعدساعتين كتبت لي رسالة ،اقرأيها.

-سديم:.. تقرأ وينشق وجهها القمري ويخسف ببرهة، تغلق عيناها الواسعة  وتتحول إلى بحيرة من المياه المتلأ لئة  تصمت ولا تنطق بكلمة،كالعادة توجهت لغرفتها وقد أنهكتها الرسالة وأكلت باقي عمرها .

أتعرفون أيها القارئين!!!  هناك مواقف لاتتطلب صراخ حتى يظهر طقس اﻷسى بل إن الشعور العظيم لايوافيه إلا صمتاعظيما ،وقدتأتيك رسالة  فرح أو أسى؛ ولكنها كفيلة بتغير حياتك وإلى الأبد للأسوأ أو لﻷحسن، قد تسلب صوتك وتكون رهين في انتظار خطوات القدر القادمة.

سديم : ترفع يدها إلى الله وبدون أي كلمة،فالله يعلم لغة الصامتين،  جهاد وحسين يصلون لأقرب مركز للا لتحاق بالجبهة دونوا أسماءهم ومناطقهم فتعجب القائد .

-أنتم من مدينة الضباب ،لما أنتم هنا ،هل تعلمون أن المدينة في خطرويجب عليكم التوجه نحو ابو حرب.

-جهاد: ..ماذا مدينتي في خطر، يالله.
-حسين: … . هيا ياجهاد بسم الله ننطلق.

توجهوا نحو ابوحرب ،وعلم جهاد بالأمر،ولم يصدق أن أخته الآن في عداد بين الموت أو الحياة،ذهب جهاد متوجها نحو منزله ،طرق الباب.

-عمتي أين أمي؟ 
-أمك في غرفتها ياجهاد اصعد إليها.
-أمي جئت لأطمئن عليكِ .
-جهاد تعال أشم فيك زهرتي تعال كي يهدأ قلبي المغلوب،تعال ياقرة عين أمك ،تضمه وتكاد أن تموت.

-أمي لايليق بك هذا الضعف أين وعدك للسيد جواد،ألم تخبرينا أنك ستمضين على إثره.

-نعم ولكن أبوك رحل وزهرة في خطر و لا أملك أحد من لي إن رحلتم .

-أمي كفكفي دموعك هيا سلام  المدينة  متعلق بصبركم وثباتكم أيها اﻷمهات ،انجزِ كل ماتستطيعي أن تقديمه، واذهبِ أنتَ وعمتي ونوال ،واجمعوا مدد من دواء وغذاء وكل شيء ، المجاهدين الأن الخطر محدق.

جهاد يذهب ويتوجه نحوغرفته يأخذ سلاح أبيه وبدلته العسكرية كانت تناسبه بالضبط طولا وعرضا، سديم تستعد هي وسارة ونوال،جهاد ينزل من الدرج ،ويصل إلى مقربة الباب ،الجميع يحدقون فيه .

-سارة تقول: سديم أتعرفي…. شعرت أن أخي جواد نزل من الدرج وليس جهاد لقد أصبح مجاهدا كأبيه العزيمةتتفجر من عينيه .

-يلتفت جهاد ينظر لنوال وعمته وأخيرا يودع أمه… قائلاً: أمي…  ادعِ لي لقد تحققت أمنية أبي ها أنا أسلك دربه الجهادي، واعذريني إن قلت لك:… بأني لن أعود  إليك إلا بالنصر أو الشهادة، الوداع يا أمي ،واصبري ولعلنا سنلتقي عندالسيدجواد، في آمان الله لاتنسونا من دعواتكم عمتي سارة وأنتي يانوال.

سديم:…تخمد لهيبا المتوقد، وتسجن دمعها الفياض تحاول أن تبتلع زوابع اللحظة بصبر لايحد وصف  تقول:  بحفظ بالله ورعايته يابن جواد، اذهب عين الله تحرسك،ولعل الله يأتيني بكم أجمعين،نوال بدأ تظهر ماكانت تخبأه منذ سنين لقد بكت وأظهرت دموعا إعترافية لايفهمها إلا المحبين.

يغادر جهاد من المنزل، ولاأحديعلم هل سيعود مرة اخرى  أمه تراقبه من النافذة وقد أذنت لنفسها بالبوح والبكاء فالدموع لم تتوقف وهي تستلذ برؤية  ابنها وللمرة الأخيرة ،وكان أم موسى تركت لكل أم يمنية قصة رمي  نبينا موسى بالليم الغاضب وكلها ثقة بالله وبعودته من بيت الظالم عزيزا .

-جهاد لايلتفت ويعلم يقينا أن أمه تنظر إليه من النافذة، قلبه في يديه يشعر بلهيب أمه، ويحمل في كفه الثاني هم أخته، ومابين الكفين مدينته التي تتهيأ للجهاد، يقرر في اللحظةالأخيرة أن يلتفت ليودع أمه، وبدون شعور إلتفت ورأى أمه وابتسم ابتسامة تضيء العالم من العتمة الحالكة، مضى بعدها ولم يأذن لروحه أن تعاود النظر، كان يمشي وكله عزيمة وكأن قوة التضاريس في مدينة الضباب وضعت في كفه .

#اتحاد _كاتبات _اليمن.

تابعنا على فيسبوك

Labels

شريط الأخبار

ads

حكمة

في بعض الأحيان الخطوة الأولى هي الخطوة الأصعب تقدم وأخطوها فقط وليكن لديك الشجاعة الكافية لان تتبع إحساسك وحاستك السادسة.

حكمة اليوم !

التسميات

العاب

منوعات

{"widgetType": "recent posts","widgetCount": 4}

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *