📃قسيسة من خلف الضباب5
-------------------
عفاف البعداني
-بعدها تم دفن السيد/قرعدستان…. بقرب شجرته وأقمت عزاء مع نفسي البائسة لايقيمه أحد على وجه اﻷرض، مضيت وقتا تحت تلك الشجرة، وفي وطأة الليل الحالك هام بي الحزن وبكيت حتى كادت عيناي أن تغادر اﻷحداق وبدون أي تذكرة للعودة، ذهب الدجى وتبلج الصباح وبدأ اللون البرتقالي يظهرعلى الأرجاء استقيظت الحياة ولكن لم يستيقظ معلمي معها، كان الأمرمريبا نوعا ما ،لقدشعرت أن هناك روح تراقبني وتقترب مني ولكن أحددماهيتهابالرؤية الواضحة ،تعاظم هذا الشعور فإذا بي أشم رائحة زكية تنبعث من القبر ، ورياح لطيفة تحوم حولي كفكفت دموعي وشعرت بأن شي ء سيحصل شيء مولود من خاصرة هذه اللحظة ،ربما هو ماأنتظره منذ وفات سيدي الراحل.
لم يكن حدسي مخطأ يازهرة… .لقد استمرت الرياح تداعب الأرجاء وتوجهت دفعة واحدة نحو لحاء الشجرة، وماهي إلا ثواني ،وظهر باب على هيئة كتاب مفتوح مغطى بالنقوش القديمة،والخطوط المتشابكة،ورسومات للطبيعة انبهرت !!وفقهت أن هذا هو السر الذي يريد أن يخبرني به سيدي الراحل، في بادئ الامرخفت وأمسكت حواف القبر وكأني أستلهم الأمان والإذن من تلك الروح النائمة، وجاء صوت ناعم يقول :.. افتحِ ذلك الباب لولم يكن الصوت الذي سمعته يشبه صوت قرعدستان لما قدمت لفتحه، لِعِلمي أن هناك خدع لأصحاب الوردة السوداء ، ولكني فطنت أنه صوت لمعلمي مسكت الكتاب !بل أقصد الباب !فإذا به يفتح نفسه، خطوت نحو المكان وأُغلق لحاء الشجرة،ولم يساورني الخوف ،حينها رأيت مكتبة عظيمة فيها أروع الكتب وأجملها، وهناك مدخل صغير لتدفق أشعة الشمس ،ومساحة جميلة تضم في قلبها شجرة عنب، وكأنّ المكان مهيأ لجل متطلبات الحياة.
مكثت فيه عشرة أيام وأنا اقرأ الكتاب الأول الذي يتحدث عن العشق الروحي ، ولكن العجيب في الأمر أن المكان هو نفسه الممر الذي عبرت به لعالمكم وإلى ذلك الكهف ؛لأرى جمال وبهاء طبيعتكم الخلابة ، اكشتفت بعد مدة أن تلك الشجرة العظيمة، لم تكن مجرد شجرة بل كانت ممرا سريا لمعلمي الراحل ولكنه لم يخبر به أحد ، وقد أهداني إياه لعلمه أني لم استطع البقاء بعالمي بعد رحيله وهكذا برحت في ذلك المكان اقرأ وأراه معي في كل صفحة وفي كل سطر ومع كل صبح مشرق .
-زهرة تسألها.. وعالمك لم تعودي إليه؟؟
-لا… لقد مضى زمنا طويلاً وأنا غائبة عنه ولا أنوي العودة أبدًا فربما أصحاب الوردة السوداء قد افسدوا كل شيء جميل في قريتنا البعيدة.
انتفخت عيونها وأصبحت حمراء مخيفة وجلدها أصبح يقشعر وكأنها تريد أن تفقد الوعي وتريد أن تطير بعيدًا عني ،تريد أن تلملم شتاتها ؛كي لا تبدو أمامي بتلك الحالة .
تقول زهرة:… انتهت القسيسة من البوح وبدأت فيني كل الأحاديث ،صمتنا لمدة عشر ثواني وداخلي يحاول استيعاب كل تلك اﻷحاديث….وبعدهنيهة الصمت ،أخبرتها أتعرفي!! أيتها القسيسة لقد تحققت سنة الله في الكون المليء بالأسرار، ،وفطنت أن الحروب قائمة في كل العوالم المرئية وغير المرئية ،ولكن السلام والخير يبقى مع فئة قدتكون قليلة ولكن هي مخلدة في تأريخ الواقع وأمجاد الشعوب ولها سطوة على كل أحداث العالم، تأملي كيف أنك لازلتِ تكني لقرعدستان كل هذا الولاء رغم أنه قد مات وربما أن هناك الكثير يكتنزون ذكرى ثمينة له ،فأرواح الطيبين عادةً لاتموت، تظل معنا طيلة الوقت ولايختفي ريحها رغم تلوث الهواء.
-القسيسة.. لم تتلفظ بأي كلمة وهي شاردة الفكر .
- يبدو أنها لم تسمعنِ وكأني كنتُ أتحدث مع نفسي ،لا ألومها فحجم الألم منحوت في وجهها المريب رغم جماله ،ولكن ماقولي حيال ماتشعر به وليتني أمتلك الركيزة العقلية التي تجاري حادثة فكرها المؤلم ،رغم أن بداخلي أشياء إلا أنني عاجزةعن الرد .
في تلك اللحظة خطرت في بالي فكرة وهي كالتالي أخذت ورقة ناصعة البياض ،وقلم أسود، لونت الورقة بالكامل بلون الليل الحالك القسيسة بدأت تصغي أمام ما أفعله رفعت الورقة وهي سوداء بالكامل ،سألتها مالذي تريه هنا ؟
-نظرت نحوي وكأنها تنافي السؤال بعدم الإجابة وبعد ثواني قالت :هي ورقة سوداء ولاخلاف في هذا .
-،نعم ورقة سوداء.
- حسنا ركزي مالذي سأفعله أخذت قلم أبيض وكتبت نقطة ورفعتها وهذه ، زاد بها الغضب.
-لستُ طفلة يازهرة، لما تعاملينني بهذ الشكل! .
-استمريت بوضع نقاط بيضاءحول بعضها ولم أنتبه لردها، توسعت الدائرة البيضاء في الورقة السوداء ،بعدها حولت تلك الدائرة ألى قلب أبيض ينبض بالحياة في كبد السواد اكملت اللوحة ،ولأنها فطنة بدأ يستفيق وعيها نحو مارسمت ظلت تنظر.
صعدت فوق الكرسي وﻷني عميقة التصور،تخيلت أني في المنصة وهناك الجمع الغفير من المشاهدين ينظروا نحوي ومنهم تلك القسيسة،وبنبرة تملؤها الدعابةقلت:"عزيزاتي… سادتي… أعرف لست رسامة كفرانسيس وليست هذا اللوحة معروضة للبيع ،ولكن إنني أعتبرها لوحة فكرية باهضة الثمن ،وأتمنى من حضرتكم أن تنظروا لها بعين الشفقة والرحمة فهي بحاجة لكرم وعيكم هلموا أيها السادة واشتروها مني ".
-القسيسة… بدأت تفرد عضلات خدها الجميل ،وتبتسم وقبل أن تتلفظ بكلمة .
-قلت لها ياغريبة : لستِ طفلة ولستُ بساذجة ،ولكن هذه الورقة السوداء لو لم أضع عليها نقطة وتلو النقاط بالقلم الأبيض لما توسعت مدارجها النقية، وتشكلت قلبًا أبيضا بهذا الجمال،ومارأيك في استئناف القلم الأبيض بمعالم السواد، هل هو نفس الحال إن بقي القلم الأبيض وحيدًا في مقلمته ،بعيدا عن وطنه الملوث وهو قابعا في شجرة بعيدا كل البعد عن عالمه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب