الأحد، 26 سبتمبر 2021

عبرة، بقلم الشاعرة/زينب الحداد


عَبرَة...


وَضَعَت عُلب المناديلِ على الرصيفِ، عندما عادت السيارات إلى التحركِ، جلست إلى جوار مناديلها المرصوصة ترقب باب ذلك المتجر المغلق، متى سَيُفتح؟ كُلما فُتِحَ أمامها وارتفع الغطاء عن الواجهات الزجاجية اللامعة؛ تبرق عيناها...
جاء صاحب المتجرِ وزوجته، وبدأ بفتحه ورفعِ الأبواب عنه، وزوجته منهمكة بتصفحِ هاتفها، دخلا وأخذا يُلَمِّعانِ الزجاج، ويُعيدانِ الكراسي إلى أماكنها، وهي ترقبهما من زاويتها المقابلة.
لم تكن في بادئ الأمر تبيع المناديل في الشارع إلا مرغمة، مضت مدة على عملها في بيع المناديل، تُحاول أن تتأقلم عليه، رِفاقها في الشارع يُنسونها الكثير من الفقد، بأحاديثهم العفوية البريئة، وضحكاتهم التي تتعالى كفقاعات الصابون، ومواساتهم لبعضهم في اقتسام قطع الحلوى التي تُلقى إليهم من نوافذ بعض السيارات.
في هذا اليوم تشتد درجة الحرارة، والشمس تلفح وَجهها المملوء بالخدوش، والإسفلت الساخن يلفح قدميها الحافيتين، ومع ذلك لا تحتمي من الشمسِ كباقي رفاقها أو تستظل بظل، فهي حريصة جدا على أن يَنفُذ نظرها إلى داخل متجرِ المثلاجات وأن تقف طويلا أمامه؛ فقد حاز على اهتمامها كثيرا، حتى أنها هذه المرة لم تشعر بنفسها وهي تقترب منه، ولم تسمع رفاقها وهم ينادونها:
_ خذي مناديلك لقد توقفت السيارات...
      وضعت يديها على واجهة المتجر، وأخذت ترقب بهدوء السيدة اللطيفة في الداخل، كانت تبتسم كلما التقتا بالنظر... لكن زوجها ما إن رأى الطفلةَ حتى خرج ليبعدها بعيدا، وكأنها ذابابة أضلت طريقها واستقرت على أنفه... نهرها بقوة، استخدم يده لإبعادها عن الزجاج النظيف.
_ هيا ابتعدي سيتسخ الزجاج.
          خرجت السيدة بسرعة؛ تمتصُ غضبه، وتقنعه أنها هي من سيتولى الأمر.
           اقتربت من الطفلة، رأت عينين غارقتين بالدموع، اعتذرت إليها وطلبت منها الانتظار للحظات، عادت السيدة تحمل كأس مثلجات دفعت بهِ إليها، ردته الطفلة بصوت مهزوز:
_ لا أريده، أنا أريد.... فانحبس صوتها بتدافع العبرات، ابتلعت المِلح ليبتلَّ الصَّدى، لكنه زادها ظمًأ.
          لم تُرِد المثلجات، ولم تكن ترقبُ صور الدعايات الملصقة، التي تُسِيل اللُعاب؛ فهي تمتلك العديد من العملات المعدنية القابعة في جيبها المرقوع، التي تكفي لشراء أصغر كوب مثلجات في المتجر.
           اقتربت السيدة منها أكثر ووضعته بين يديها، استقر نظرها على وجه السيدة، هذا الوجه الذي يزيدها اختناقا وبهجة كلما رأته، مسحت عبرتها بِكمِّها الوديع، وعادت إلى رصيف المناديل مغمورة بوجهِِ دافئ وكوب المثلجات.  


#زينب_الحداد
@noohhadad
13 سبتمبر 2021

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب

تابعنا على فيسبوك

Labels

شريط الأخبار

ads

حكمة

في بعض الأحيان الخطوة الأولى هي الخطوة الأصعب تقدم وأخطوها فقط وليكن لديك الشجاعة الكافية لان تتبع إحساسك وحاستك السادسة.

حكمة اليوم !

التسميات

العاب

منوعات

{"widgetType": "recent posts","widgetCount": 4}

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *