تابع...
ثقافة أدبية..
رحلـــة في ديوان العــــرب
بقلم: سلطان نعمان البركاني
(4)
︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾
▪ *الشــعر وحاجتنــا إليــه (2 - 2):*
أما الشق الآخر من السؤال وهو (ما حاجتنا إلى الشعر)..؟:
فحاجتنا إلى الشعر كحاجتنا إلى الغذاء والدواء ولكل دوره في الحياة، ذلك أننا نحتاج الشعر لفهم ومعرفة كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وتفسير معانيهما واستجلاء دلالاتهما، وقد أفاد جيل عصر السيرة والراشدين من الشعر في فهم القرآن الكريم وتفسير معانيه، قال ابن عباس - رضي الله عنه -، وهو حَبر الأمة، كما وصفه الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سألتموني عن عربية القرآن فالتمسوه بالشعر ". وجاء عن عمر - رضي الله عنه -في بيان أهمية الشعر قوله: "كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصحّ منه".
فالشِّعرُ غذاء للأرواح يتطلبه الإنسان القويم، فكما تحتاج أجسادنا إلى الطعام تحتاج عقولنا إلى المعرفة وأبصارنا إلى الجمال وأنفسنا إلى الصفاء، وكلها نجدها في الشعر، وأهم ما نحتاجه من الأدب عامة والشعر خاصة:
حاجتنا إلى الافصاح عن كل ما ينتابنا من العوامل النفسية: من رجاء ويأس وفرح وحزن... الخ. وبالشعر نعبر عن شعورنا تجاه ما نحسُّ به ونراه، وكلما كان إفصاحنا أقوى وأعذب كان تأثيره في القلوب أشد.
حاجتنا إلى الجميل من كل شيء، حاجتنا إلى الاستمتاع بالموسيقى والأصوات الجميلة التي تعشقها الأسماع وتلتذ بها القلوب، وتستطيبها العقول، وتستحسنها الفطر، وغير ذلك مما يمتاز به الشعر.
قال العبّاس - رضي الله عنه -: يا رسولَ اللّه، فيم الجَمَالُ؟. قال - صلى الله عليه وسلم -: «في اللسان».
يقول ابن طباطبا: فإذا ورد عليك الشعر اللطيف المعنى، الحلو اللفظ، التام البيان، المعتدل الوزن، مازج الروح ولاءم الفهم، وكان أنفذ من نفث السحر، وأخفى دبيباً من الرقى، وأشد إطراباً من الغناء، فسل السخائم، وحلل العقد، وسخى الشحيح، وشجع الجبان، وكان كالخمر في لطف دبيبه وإلهائه، وهزه وإثارته.
لهذا تجدنا نحفظ أبياتاً مختلفة لعدد من الشعراء ونرددها كل آونة وحين وكأنها من نسج عقولنا وبنات أفكارنا، فإذا تعثرنا في طلب غاية تجدنا تلقائياً ننشد:
مَا كلُّ ما يَتَمَنّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ
تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السُّفُنُ
وإذا وجدنا أحد الأصدقاء قد سود اليأس عيشه نقول له:
دع المقادير تجري في أعنتها
ما بين رقدة عين وانتباهتها
ولا تبيتن إلا خالي البالِ
يغير الله من حال إلى حالِ
وإذا أقدمنا على أمر ذي بال وواجهنا مخاطر نردد:
إذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرُومِ
فطَعمُ المَوتِ في أمرٍ حَقِيرٍ
فَلا تَقنَع بما دونَ النّجومِ
كطَعمِ المَوتِ في أمرٍ عَظيمِ
يقول ميخائيل نعيمة في كتابه (الغربال): ولو وقفنا لنعدد الأبيات التي تناقلتها الألسن فأصبحت جزءاً من حياة الشعب اليومية لضاق بنا المقام.
فلماذا نردد هذا البيت أو تلك القصيدة...؛ لأن هذه الأبيات والقصائد إما تفسر لنا الحياة بتعبيرها عن حالات نفسية نشعر بها ونعجز عن سكبها في قالب من الكلام. وإما تنقش في مخيلتنا صورة نحب أن نتمتع بجمالها كما نحب أن ننظر إلى وجه جميل وبدر تام وشمس تغرب وزهرة في المرج تنحني مع مر النسيم. نحب كذلك موسيقى اللفظ وسلاسة التركيب وفصاحة التعبير، كما نحب أن نصغي إلى تموجات الأثير التي ترسلها أوتار كمنجة إذ يلامسها القوس من يد أستاذ ماهر.
يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب