.
وقفة على قصيدة..
︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾
قـــــراءة في قصيـــــدة:
*(بحَّـةُ النـاي)*
للشَّاعـــــرة: حنان محمد
قراءة الأديب الناقد الأستاذ
ٲ. عبــد الرحمـن النــوعــــــة
❉ ❉ ❉
◼ *القصيـــــــــــــدة:*
تَرسُـوْ المسافاتُ فوق البوْحِ أحيانـَا
ويقتـلُ الشوقُ صبًّـا باتَ ولهانَـا
ويمـلأُ الليــلُ أحلامـاً مبعثـرةً
وتسكـبُ الآه فـِيْ الأعمَـاقِ نيرانَـا
تَغَلْغَلَ البُـؤسُ واشتـدَّ البلاءُ بـهِ
وصيَّـرَ الصمْـتُ فِـيْ الأحشَاءِ بركانـَا
مالِلْجـراحـاتِ تغـدُو غيــرَ آبهـةٍ
تُمـزِّقُ الـروحَ لا تُبـدِي لهـا شانَا
تَنهَّـدَ الشِّعْرُ ملءَ الصـدْرِ فانفجرَتْ
منـهُ حروفٌ سقتني الوَيْلَ ألـوانَـا
يابَحَّةَ النَّـاي فِـيْ أنَّـاتِ قافيتـِـي
ياسجعَ دانٍ غـَدا فـِيْ السَّطْرِ أشجانَا
معزوفَةُ الحُزْنِ فِـيْ الأوتارِ مُوحِشَةٌ
تراقَـصَ الجـُـرْحُ أوزانـاً وألحانـَا
حنان محمد
❉ ❉ ❉
◼ *القـــــــــــــراءة:*
▪ *أولا - البنية الفكرية والموضوعية:*
تمحور النص حول الشوق وتداعياته وآلامه وأحزانه وتأثيراته النفسية، فمسافات البعد تحط نفسها على جراحات البوح، وتكون نتيجته وخيمة، وهي قتل الصب المستهام الذي برح به الشوق وهده البعد، وتحول الليل إلى أحلام مبعثرة تنتاب روح المشتاق المشتتة أصلا، فتزيده شتاتا وبعثرة، وتكثر نتيجة ذلك تنهيداته وآهاته وأناته وزفراته.
ومن تداعي ذلك أن سيطر المرض والداء على الجسد فأسقمه وأمرضه، فكثر الصمت من الخارج، ولكن الغليان داجل الجسم يعصف بالجسد السقيم، وسبب له فقد الإحساس بالجراحات، وتمزق الروح وشتاتها.
وكان طبيعيا أن ينعكس ذاك الغليان الداخلي على حروف الشاعرة، فغدت لهيبا، بل حمما تقذفها فوهات بركان، ولكنها رغم قوة انفجارها إلا أن صوتها مبحوحا بسبب الألم الذي ينتابها، فغدت لذلك حزينة منكسرة موحشة بائسة.
* * *
▪ *ثانيا - التحليل الفني:*
العنوان جميل وموح ومركز، وفي تكثيف يوحي ويبوح بمدى الألم الذي ينتاب روح الشاعرة المنهك؛ بسبب الفراق والبعد، فغدت ألحان الناي حشرجة، وما أجمل التجانس بين البحة في العنوان والبوح في مطلع النص: (ترسو المسافات فوق البوح)، فالبحة حشرجة صوت والبوح همس صوت.
عزفت الشاعرة أنغامها على بحر البسيط، واختارت روي النون الممدود بالألف (نا)، والتزمت قبله بألف مد (انا)، وألفا المد زفرة طولية امتدادية منبعثة من الأعماق، توحي بألم وأهات محزون، وتوحد حرفا الروي في صدر البيت الأول وعجزه فولد نغما موسيقيا جميلا:
(ترسو المسافات فوق البوح أحيانا
ويقتل الشوق صبا بات ولهانا)
سيطر الأسلوب الخبري على النص في أبياته، عدا بيتا واحدا إنشائيا:
(يا بحة الناي في أنات قافيتي
يا سجع دان غدا في السطر أشجانا)
والجملة الفعلية هي المتسيدة على أبيات النص، كون الأحزان متجددة تجدد الأشواق، تجدد البعد والغياب، عدا الشطر الأول في البيت الأخير الذي أتى جملة اسمية: (معزوفة الحزن في الأوتار موحشة)، وهي موحية باستمرار الحزن ووحشته.
استعانت الشاعرة بكثير من الصور الفنية الرائعة، رغم سباعية النص، وكانت الصورة غاية في الإيحاء، وأجادت تصوير البعد النفسي والوجداني للشاعرة، بدقة لامتناهية، تكشف عن براعة شعرية ومقدرة، وتمكن وتفوق..
(ترسو المسافات فوق البوح
يقتل الشوق صبا
يملأ الليل أحلاما مبعثرة
تسكب الآه في الأعماق نيرانا
تغلغل البؤس
صير الصمت في الأحشاء بركانا
ما للجراحات تغدو غير آبهة
تمزق الروح...
تنهد الشعر
فانفجرت منه حروف
سقتني الويل...
يابحة الناي
أنات قافيتي
ياسجع دان
معزوفة الحزن....
تراقص الجرح)
كل ما في الكون مظلم وسوداوي ومشارك للشاعرة في آهاتها. فالأنغام موحشة، والقافية أنات، والحروف منفجرة تسقي ويلا وثبورا، والشعر تنهيدات، والروح ممزقة، والجراحات غير آبهة بآلامها وأناتها..
والصمت في الداخل بركان يكاد أن ينفجر، والبؤس متغلغل، والآه نيران تحرق، والشوق قتال.
النص مبني بتنام عضوي جميل، وتدرج موح وواقعي، فالوله في البيت الأول تحول إلى نيران في البيت الثاني، واشتدت النيران لتغدو بركانا في البيت الثالث، مما أفقد الجراحات إحساسها، فتمزقت لذلك الروح وغدت بلا شان، ونتيجة لذلك ولدت التجربة الشعرية، وتحول كل ذلك إلى رسم بالكلمات، وتنفيس عن المكبوت، ولذلك وقاية من تفجر البركان الذي يغلي في ذات الشاعرة الداخلي، تفجرت براكين الحروف كجزء من التنفيس عن المكبوت، وأتى هذا المولود الشعري النصي ويلا وثبورا، وبحة وحشرجات ووحشة، وكأن الشاعرة مهدت بأبياتها الأولى للإعلان عن هذا النص في الأبيات الأخيرة.
الشاعرة متمكنة لغويا ونحويا وكتابيا وعروضيا.
أرجو للشاعرة التوفيق في حياتها الأدبية والعامة..
ٲ. عبــد الرحمـن النــوعــــة
┄┉❈❖❀✺❀❖❈┉┄
من مختارات:
سلطان نعمان البركاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب