الاثنين، 2 ديسمبر 2019

( حــديث الأحــزان الحلقة [ 17 ] يحيى صالح العفيري

( حــديث الأحــزان
الحلقة [ 17 ]
.✍🏻/ يحيى صالح العفيري)
كنتِ تأتين بحرفٍ واحد ، فأجيء مسرعاً بكتبيةٍ من الحروف.
وكأن حرفك أعواد الثقب ، وحروفي غابة حطبٍ ورياح.
ما إن تشعلين فيها عضوا إلا وهبت رياحي لتنفخ فيه حتى تسري النار بكل مساحاتٍ تحسب ضمن حدودي.
كنتِ إذا أرسلتِ بيتا من اشعارك ، أنفــخُ في قاموس الأحرف فتلبيني الكلمات ، ويُبعث هاجس شعري من لحد الأموات ، ويحيا من جديد، ويحضر وإلى جانبه كفنه ، وينظم فيكِ الشعر فيرتدي كفنه ويستلقي ميتا في قبر الصمت حتى أأذن له بالعودة بتنبيهي إياه أن حروفاً ممن أحببت تُطرح حالا في قلبي المفتوح له أنّى شاء.
حين كنتُ أراكِ ،
تنشق أرضي صراعا فتبتلع ما حوالي من البشرية فيبدو لي وكأننا وحدنا في هذا الكون ، وكأنكِ ملكي بل قدري المكتوب على صفحات كتابي مذ خلق الله الأرض.
تمشين أمامي كملاكٍ متفرد بين الناس بجمال الوجه، وحدة الذكاء ، وغزارة العلم ، وخصلة الأخلاق.
وتغيبين عني فأرسم قامتك الموزونة ما بين الطول والقصر .
وألاحظ رمش عيونك كسحابٍ غطى نور البدر لبرهةٍ ثم انزاح وعاد البدر يصور كل جمال الأرض مع أطياف النور المنبعثة من فيه ، ويجمعهن بألبوم الذكرى .
من حبــي لك
جعلت من نفسي قصّاص أثر لأحدق في نقش نعالك فوق رمال الأرض.
كنتُ أحدثُ نفسي ماذا لو لامس باطن قدميك صدر الأرض المجدب ، لأنبت فيه الورد فعلا وعاد ربيعاً بجداوله الخضراء ، بعد أن كان مجدباً وشتاءَ، بل صحراء تبدو دوما بوجهها الكاحل ولم تعرف سوى فصل الشتاء .
حين كنا نحدد موعدا لنلتقي فيه حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، في ذلك الحين كان قلبي ينبض سريعاً لفرحة اللقاء ، وعيناي تنفض غبار الهموم من على وجه ساعاتي العابسات  ، وتتكحل بالسهاد أنتظاراً لذلك الموعد الذي سيجمعني بحبيبي المتفرد بحسنه في ملكوت الجمال.
كنتُ أراقب تلك اللحظات وكأنني على موعدٍ لتحديد المصير.
حالتي تبدو كرجلٍ مأسور جاء إليه الملك ليلا ليخبره بإن صباح الغد هو يوم أعدامه ، فعاش ساعات ذلك الليل يصارع الهم والحزن ويحاول الخلاص والهروب ولكن دون جدوى فلم يستطع النوم وبدأ يحسب الساعات الأخيرة من عمره.
لا فرق بيني وبينه سوى أنه ينتظر الصباح بكربة وأمنيته الوحيدة أن تطول ساعات ذلك الليل كعقودٍ من الزمن.
ولزيادة قلقه وخوفه تمر الساعات بسرعة لم يتوقها .
أما أنا فأنتظر وقت اللقاء بفارغ الصبر فهو لقاء يترجم السعادة ويمثلها فعلا ، ويلامس قلبينا بنسمات الحنان والدفئ، ويزيد من مشاعر الحب والود بدواخلنا ، ويولد لنا حياة جديدة ممتعة  بكل ما تعنيه السعادة.
فأراقب حضور تلك  اللحظات فتغدو ساعات الانتظار كما يتمناها ذلك السجين الذي أوشك على الرحيل من هذه الحياة.
بعد عناء الانتظار جاءت تلك اللحظات ومارسنا معها فنون العشق بكل رونقه ،وروحانية الحب بكل فروضه ، وتدحرجت على شفتينا أبتسامات رائعه ، وحلقنا في ظلها على بساط الوله نجوب سماء هذا العالم ونرسم على وجه زهرة اللقاء ونطبع على خديه قبلة الشوق ، ومرت تلك اللحظات والايام والسنون وأختفت في ممر الدهر .
دار الزمن بدورته فانتهت الأيام الجميلة بكل ما تحويه وأصبحت مجرد ذكرى تمر على مخيلتنا لتستوقد بين أضلعنا ناراً أشد احراقا من نار الحرب.
وجاءت الأيام المؤلمة وهي تحمل الحقيقة والبعيدة عن الوهم فكشفت لي وجه تلك الامرأة التي تحولت إلى لبوة تنهش في أيامنا الرائعه ، فأفترست مشاعر الصدق  بداخلها وبدأت تبحر في الكذب والمكر  والخداع.
فخسف فيها الجمال وكسف فيها الحسن.
وطفقت تختلق الأعذار الكاذبة وسرعان ما ذبحت على حافة مهند الحقيقة اللامع بالعدل والمنتهج الصدق.
فباتت أيامنا الأولى حكاية متشبثة بإرجوحة الزمن تعبث بها الريح تارة فتبعث في أعماقي الألم ، وتارة أخرى تسكنها الحياة فتبعث بداخلي النسيان وتشرق بنور الفجر ليولد صبحٌ من جديد ويحدثني بطلاقة وجهه الوضاح ويعطرني بنسيمه المفعم بالأمل والسعادة.
ومع هذا كله لا زالت هناك نتوء تظهر على قلبي المكلوم من أثر تلك الخيانة العظمى التي صنعتها ربــة المكر والخيانة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب

تابعنا على فيسبوك

Labels

شريط الأخبار

ads

حكمة

في بعض الأحيان الخطوة الأولى هي الخطوة الأصعب تقدم وأخطوها فقط وليكن لديك الشجاعة الكافية لان تتبع إحساسك وحاستك السادسة.

حكمة اليوم !

التسميات

العاب

منوعات

{"widgetType": "recent posts","widgetCount": 4}

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *