"لفحةُ إنكسار"
ذاتَ يومٍ ذهبتُ للتسوقِ..
وما إن كِدتُ أن أنتهي حتى جلستُ على الرَصيفِ؛فإذا بي أغوصُ شيئاً فشيئاً في الزِحامِ؛
ليسَ زِحامَ الناسِ ولا السياراتِ ولا شيءٌ من هذا القَبيلِ كما تَظُنون..
بل غُصتُ في زِحامِ أفكاري وتحسُري وأسألتي التي لم أجد لها أجوبةً تُطبطِبُ على عجزي وقلةَ حيلتي رُغمَ جُهدي الهائلِ والمبذولُ في البحثِ عنها...
أنظُرُ إلى هُناكَ بشرودٍ تامٍ حيثُ الأملُ المفقودُ والبسمةِ الضائِعةِ والطفولةِ المسلوبةِ والأحلامُ المنسية..
ضاقَ الكونُ بوسعهِ على إنسانيتي زادَ تفكيري أكثر..يا الله ما هذا العجزُ؟وأنا أرى الظُلم الذي أمام عينايَّ ولا أستطيعُ تغييره..
وبينما أنا غارقةٌ في تفكيري أحسستُ بيدٍ تُربِتُ على كتفي فإذا بي ألتفتُ لإرى مُسِنَةً تجلسُ بجانبي جعلتني أصحوا من شرودي المُوجع الذي لم أظُنُ أني سأستفيقُ منه بسهولة..
قالت لي: ي بُنيَتي ماذا رأيتي حتى تُصبحَ عيناكِ تنظُرُ بإنكِسارٍ مُلفت؟!!
أراكِ وكأنكِ طيرً مقصوصَ الجناحِ قد إحتواهُ كفنُ اليأسِ الأبدي..؟!
نظرتُ أليها ثم نظرتُ مرَّةً أُخرى إلى ذلكَ المكانِ الذي أغدقني بحُزنٍ عظيمٍ ثُمَّ أشرتُ بيدي نحوهُ وقلت لها:
هل أصبحَ الظلمُ والفقرُ والعجزُ وليد موطني..؟!!
إنظُري إلى تلكَ الطِفلةِ الصغيرةِ التي أصبحَ كُلُ هَمِها أن تُوفِرَ لُقمةَ عيشٍ تسدُ بها رَمقَ جَوعِها وجُوعَ أُسرَتِها..؟!!
ألا ترونَّ تنقُلها وركضها المُهلكِ والشاق بين تلك السياراتِ لتبيعَ المناديلَ بِكُلِ عناء..؟!!
..هي تحمِلُ في عاتِقِها هَمً هو في الأصلِ ليس همَها..
ألا ترونَّ أنها تخلت عن طُفُولتِها عن أحلامِها عن ضحكاتِها عن عالمِها السعيدِ وأصبحت تائهةً في عالمِ الشقاء والبُؤسِ..في عالمِ اللأنسانية..؟!!
تلكَ الصغيرةُ ومثلُها الكثيرُ كيفَ سأُقنِعُهم بحبِ الوطنِ عندما يكبُرون..؟!!
أخبريني يا جدتي كيفَ سأُقنِعُهم في حينِ أن ردهمُ المحُزنُ لن يكونُ إلا بقولهم "ذلكَ الوطنُ الذي تُحدِثينا عن حُبهِ لم يحتوي طُفُولتنا بِشكلٍ بريءٍ بل عِشناهُ بكُلِ قسوةٍ مُضنية"
حينها صأصمُتُ يا جدتي نعم ستُلجَمُ لساني عن النُطقِ ستتبعثرُ حروفي بشكلٍ مُبهتٍ ثم سأُطأطأَ راسي بذُبولٍ وإنكِسارٍ مهزومٍ لعجزي عن الرد لإني كُنتُ مُبصِرةً لواقِعِهمُ المريرُ لإني كُنتُ شاهدةً على سُودِ أيامِهم..شاهدةً أنهم لم يروا نورَ الشمسِ في جوفِهمُ المظلوم..
جدتي وطني سيُصبِحُ بدونِ أحباءٍ يعشقونَ تُرابهُ وسمائهُ وعلمهُ..فإن أصبحَ وطني بِدونِ أحباءٍ سيُصبحُ ملجأً للغُزاةِ والمُتهكِمينَ لا محالة..وهذا ما يجعلُ الحُزنَ يَلُفُ قلبي ويعتَصِرُهُ بلا مُتَنَفَسٍ للسعادة..
...إلتَفتُ لإكمِلَ حَديثي معها ولكني لم أرى أحدً بجانبي..
أظُنُها ذهبت..!!
لا أدري حقاً...!
رُبما كانت طيفاً عابراً مرَّ على وجعي لتحملَّ بعضً منه
أو ربما أني قد أزعجتُها بثرثرتي الإنسانيةِ الموجوعة..!
"لكن وإن ذهبتي يا جدتي أو كُنتي طيفاً عابراً سأُخبرُكِ أن ذلكَ الألمُ لن يسكُنَ ولن يزولَ وهذا الحالُ واقِعٌ لنا"
من جانِبٍ آخر "فأنا لن أحترمَ العالمَ بِرِمَتِهِ وأنا أجدُ كُلَ تلكَ المعاناةِ تستوطِنُ قلبَ طفلة وتغزو عينيها البريئتان"..!!!
رفيدة_اليفرسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب