نِصف الزَّمان...
🖊️ د/جياد الغراسي
يا صفحة الكون في قلبٍ بهِ تَصِفِي ..
نصف الزمان وأنتِ كُلُّ مُنتَصَفِ
ماذا عساهُ بنَبضٍ خافتٍ وَمَضَت ..
بهِ النجوم ضِياءً منهُ تَرتَشِفِي
ومُنذُ دارت بهِ الأفلاكُ دائِبَةً ..
وأنتِ مازِلتِ خَفق الكون لا تَقِفِي
تَكَادُ مِن فَيضِكِ الأقلام مَنهَلُها ..
بَحرٌ بهِ أبحُر الأكوانِ كالنُّطَفِ
ولَم تَعُد لغةُ الأيَّامِ ما كَتَبَت ..
تَكفِي المعاني التِّي مازِلتِ تَغتَرِفِي
تِلك الحروف التي فاضَت ومانَفِدَت ..
بين السطور وما جَفَّت من الصُّحُفِ
لاحت وإيقاع أنغام الطيور بها ..
مابين مُنسَجِمٍ فيها ومُختَلِفِ
وجاءَ يَعزِفُها التَّأريخُ أُغنِيَةً ..
فيا سِهام الليالي وَيحَكِ انصَرِفِي
دَعِي الزمان وقلباً في خَوَافِقِها ..
شَطرَين يَهتِفُ يا كُلّ الهَوَى ائتَلِفِي
لِيَسمَع الدَّهرُ لَحنَ العُمر تَعزِفُهُ ..
تَدُقّ أوتارهُ قِيثَارَةُ الشَّغَفِ
ويَنطَوِي ذلك الفجر المحال على ..
أرضٍ بلَيلٍ وصُبحٍ دون مُنكَشِفِ
ويُثبِتُ الصُّبحُ معنى آيَةٍ بَصَمَت ..
شمس الضِّياءِ بِقَلبٍ غير مُنكَسِفِ
فليت ما تجهل الأيام تُدرِكُها ..
شمسٌ تلاحق ليلاً خلف منعطَفِي
لِتَقرَأ الأرض عنِّي ما تُسَطِّرُهُ ..
حِكايةٌ ذَكَرَت أسطورة الطُّرَفِ
ويَعرِف الكون ما تَحكِي حقيقتها ..
نوراً ويشهدُ حقَّاً كُلُّ مُعتَرِفِ
ويعلم الليل ذاتي حين تُخبِرُهُ ..
هَوِيَّةٌ سائلٌ عنها وليسَ حَفِي
أنا الذي قصتي عنوانها صِفَةٌ ..
في قلب صاحبها أغلى من الشَّرَفِ
تأريخُها العمر مجهولٌ وما فَعَلَت ..
حوادثُ الدهر والأيام بالسَّلَفِ
مكانها زَمَنٌ لَكِنَّهُ كَبِدٌ ..
ترمِي بِفَلذَتها الدنيا كَمُنقَذَفِ
فِعَالُها تِلكُمُ الدنيا أقول لها ..
يا من معاركها لِي أروَعُ الحِرَفِ
يامن تحاربني مهلاً فلستُ أنا ..
من تحسَبِي من جبانٍ غير مُحتَرِفِ
هَيَّا ابدئي وخُذِي ماشِئتِ قاصِفَةً ..
إيَّاكِ أن تَقِفِي عن كل مُنقَصَفِ
لا تتركي جسدي غُلِّيهِ وارتكِبِي ..
كل الخطايا التي في الكون تقتَرِفِي
كونِي مع كل ليلٍ فيهِ داهَمَنِي ..
غدرُ الزمان ونالِي كل منخَطَفِ
لَكِنَّما القلب بُعدَاً تظفَرِين بِهِ ..
هيهات هيهات فيهِ أيُّما صُدَفِ
لن ينطَفِي فيهِ نوراً لا ولا قمراً ..
أو ترحل الشمس كلَّا دون منصَرِفِ
ولن تحاصر أسوار الظلام بهِ ..
ما شَعَّ مُنبَثِقَاً ضوءاً بلا غُلُفِ
ولن يفارقني مسرى هُدَاهُ ولي ..
بهِ مسار شعاعٍ غير مُنحَرِفِ
ولن تُقَيِّدُهُ الأغلال ما أسَرَت ..
ما دُمتُ لا أحملُ الدنيا على كَتِفِي
لن يُخرِسَ الليل قلبي أن يخاطبني ..
أو يختفي نبض روحٍ في الضمير خَفِي
لسوف أبدأُ عهداً في السماء سما ..
عن القصور التي في الأرض والغُرَفِ
أبني مبادئ بُرج المجد شامِخَةً ..
مثل الجبال بقلبٍ غير مرتَجِفِ
وأعتلي قمة الصَّرحِ التي عجَزَت ..
عنها الأعاصير ما تقوى بمُعتَصَفِ
ولن تَهِدَّ كياني أو يَخِرَّ لها ..
نجم السماء الذي في برجهِ سُقُفِي
ولن تدمِّرُني الدنيا وإن جعلت ..
فرشي العواصِفَ والنيران مُلتَحَفِي
رُغمَ الزمان سأحيَا العمر لستُ أرى ..
إلَّا الرِّضَى في حياتي دونما أسَفِ
حُرَّاً أبِيَّاً عَصِيَّ الدمع منتصراً ..
مهما أُوَاجِه مِن ظُلمٍ ومِن عُنُفِ
سَأستَعِيدُ بِزُهدِي كلّ ما سَلَبَت ..
من القلوب حياة اللّهو والتَّرَفِ
حسبي الغِنَى دون فَقرٍ كيف لا وعلى ..
قلبي القناعة كالدنيا على طَرَفِي
وحُفنَةّ من تراب الطُّهرِ أقبِضُها ..
أعَزُّ مِن لُؤلُؤٍ منثور في الجِيَفِ
وسوف أحيا عزيز النفس في شَرَفٍ ..
عَذبَاً عفيفاً نزيهاً كالزُّلال صَفِي
شهماً سخيّاً كريماً لا أكُفُّ يَدِي ..
عن العطاء ولا أخشى من التَّلَفِ
وأصنع الحب تاجي زينتي أبداً ..
ومعدن الخير أصلي أجمل التُّحَفِ
وأهجر اليأس أمضي عالمي قُدُمَاً ..
ولن يميل بسَيرِي أيُّ منجَرَفِ
وأحمل الصدق زادي والوفا عَلَمِي ..
والصبر عنوان دربي والعُلَى هَدَفِي
ولن يعمِّرَ قلبي غير خالِقِهِ ..
ولن أضيع وهذا النور في كَنَفِي
فاشهد بذلك يا تأريخ مفتخراً ..
بصفحةٍ في حنايا قلب ملتَهِفِ
لتملأ الأرض دوماً ماترددهُ ..
همساً فصار صدى التأريخ للخَلَفِ
حتى السماء ستبقى والنجوم بها ..
رمزاً تخلد عهداً من أجَلِّ وَفِي
تُضِيء في صفحة الأيام ما بَقِيَت ..
بالكون في القلب والأزهار في الضِّفَفِ
شعر الدكتور جياد الغراسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب