الجمعة، 5 يونيو 2020

رثاء وقفة حزين بقلم محمد الرقيحي

... وقفةُ حَزين ......

شعر / محمد إبراهيم الرقيحي

مشاركة في فاجعة وداع فقيدنا الغالي والعزيز
الأستاذ والشاعر الكبير / حسن عبدالله الشرفي ..
رحمه الله رحمة الأبرار ..
الذي توفي فجأة صباح الإثنين ثاني عيد الفطر المبارك الموافق ٢٥ / ٥ / ٢٠٢٠ م ..

" هَذا مَقامُ حَزينِ اللَّوحِ والقَلَمِ "
لَمَّا نُعِيتَ بِثُكلِ الشِّعرِ والأَلَمِ

أَحسَستُ فِي القَلبِ مِنِّي خَبطَ كامِنَةٍ
كأَنَّها مَوجُ بَحرٍ غَيرُ مُلتَطِمِ

فِي ذِمَّةِ اللهِ .. والدُّنيا بِلا ذِمَمِ
بِأَنَّك اليَومُ مَطوِيٌّ بكَفِّ عَمِ

بِأَنَّك اليَومَ مَا تَلقَاهُ مُحتَرِبًا
إِلَّا تَلَقَّيتَهُ جَذلًا كَمُبتَسِمِ

يَا قَاهِرَ المَوتِ، لَم تَأبَهْ لِهَجمَتِهِ
أَن كَانَ مُتَّشِحًا بِالأَبيَضِ الخَذِمِ

بِأَنَّك اليَومَ ما تَخشَاهُ بادِرَةً
في حِينِ يَخشَاهُ مَهمَا عَاشَ ذُو كَرَمِ

وأَنَّنا نَحنُ سَلَّمنَاهُ سَيِّدَنَا
وأَنَّنا نَحنُ أَسلَمنَاكَ لِلظُّلَمِ

*******

يَا مَن نُعيتَ عَلى نَأيٍ بِلا ظَعَنٍ
شَأنَ الأَكابِرِ، هَذا شَأنُ ذِي رَحِمِ

هَذا الوَداعُ وَداعٌ جَلَّ تَسمِيَةً
وَداعَ مُحتَرِمٍ مِنَّا لِمُحتَرَمِ

أُولَاءِ أَهلُكَ مِن بَدوٍ ومِن حَضَرٍ
يُشَيِّعونَكَ تَذكارًا لَدى الأُمَمِ

يُشَيِّعونَكَ .. والأَحزانُ تَنهَشُهُم
والعاطِفاتُ، مِنَ الفُرقَى إِلى النَّدَمِ

يُوَدِّعونَكَ سَفرًا شاهِدًا أَبَدًا
عَلى حَضارَتِهِم في سالِفِ القِدَمِ

ويُودِعونَ لَدى عُتمِ الثَّرى قَبَسًا
يُنيرُ مَأثَرَةَ الأَجداثِ والرِّمَمِ

ويَضرِبونَ بِكَ الأَمثالَ سَائِرَةً
لِلنَّاسِ أَشهَرَ مِن نارٍ عَلى عَلَمِ

مَا انفَكَّ شِعرُكَ يُحيِي كُلَّ مَكرُمَةً
ومَا بَرِحتَ تُحيِّي كُلَّ ذِي شَمَمِ

*******

يَا شَاعِرَ الشَّمسِ .. لَا مَكرًا تُغازِلُها
ولَا خِداعًا تُناجِي البَدرَ في الظُّلَمِ

ولَا بِوُدِّ بَخيلٍ في الهَوى مَذِقٍ
ولَا بِحُبِّ ذَلِيقٍ في اللُّهى خَصِمِ

وَهَبتَ نَفسَكَ وَقفًا لِلسَّنا هِبَةً
ولِلجَمالِ بلَا شَدوٍ ولَا نَغَمِ

لَكنْ بكُلِّ مَبادٍ حُرَّةٍ وَجَبَتْ
وأَوجَبَتْ ذَاتَها وَقَّادَةَ الكَلِمِ

خَوالِجُ النَّفسِ تُنقِيها وتَصقُلُهَا
ورَونَقُ الحَرفِ يُضفِي رَونَقَ الشِّيَمِ

إِذ أَنتَ فِينَا مُرَبِّينا ومُلهِمُنا
علَّمتَنا السِّحرَ نَشدُوهُ بكُلِّ فَمِ

وأَنتَ فِينَا أبٌ حانٍ عَلى وَلَدٍ
مَعًا نُمازِجُ ذِي الأَفراحَ بالأَلَمِ

وحُرمَةُ الشِّعرِ فِينَا حُرمَةٌ عَظُمَت
طُهرًا مُقدَّسَةً كالأَشهُرُ الحُرُمِ

وحَسبُنا هُوَ مِن قُربَى ومِن رَحِمٍ
إِذا نَشَدتُكَ بالقُربَى وبالرَّحِمِ

*******

هَتَفتَ حِينَ رَأَيتَ القَبرَ مُختَضِبًا
المَجدُ لِلدَّمِ مَسفُوحًا بلَا جَرَمِ

" المَجدُ لِلدَّمِ مَهدُورًا ومُنتَصِرًا "
المَجدُ لِلدَّمِ مَوهُوبًا إِلى العَدَمِ

نَعَم هُوَ الدَّمُ ثَوَّارًا فكَيفَ عَلَى
أَثوابِهِ عَلَقٌ يَبقَى لمُختَرَمِ

حَاشاهُ وَهْوَ كَريمٌ غَيرُ مُتَّسِخٍ
بِرَوثَةٍ .. وبِناءٌ غَيرُ مُنهَدِمِ

أيُرتَضَى غَيرُهُ حُكمًا ومُحتَكَمًا
والنَّاسُ تَفديهِ مِن حُكمٍ ومُحتَكَمِ

*******

عَرَجتُ أَبحَثُ عَن قَبرٍ أُسائِلُهُ
عَن مُؤمِنٍ قَبلُ عَرَّى عِفَّةَ الصَّنَمِ

عَن مُلهِمٍ أُمَّةً وَهْوَ الغَريبُ بِهَا
وعَن رُفاتِكَ بينَ البانِ والعَلَمِ

إنِّي وَقفتُ أُناجِيهِ عَلى غَصَصٍ
أَو قُلْ عَلى شَجَنٍ وافٍ مِنَ الكَلِمِ

مُستذكِرًا قَرنَكَ الدَّامِي وصُورَتَهُ
مُعتَّقَ الجُرحِ بينَ اللَّحمِ والوَضَمِ

أيَّامَ كنتَ و (جَوَّابَ العُصورِ) مَعًا
تَستَنهِضانِ جُيوشَ الهَمِّ بالهِمَمِ

مَعَ (ابنِ جَحَّافَ) أَسيانًا ومُنفَعِلًا
و (ابنِ الوَجيهِ) الوَفيِّ العَهدِ والقَسَمِ

إِلَى (عَظيمِ الفُراتَينِ) ابنِ دِجلَتِهِ
حتَّى قَرنتُ (نِزارًا) عِندَها بِهِمِ

أَكبرتُكُم عُصبَةً للخَيرِ دائِبُهَا
يدُبُّ لَم تَبدُ فِيهِ وَحشَةُ السَّأَمِ

مَا إِنْ يُؤرِّقُكُم شَيءٌ لأُمَّتِكُم
إلَّا بَرَزتُم لَهُ في زِيِّ مُلتَحِمِ

*******

عَجِبتُ لِلمَوتِ كَم يَعنُو لَهُ خَدَمٌ
فِيمَا الخُلودُ قَدِ استَعصَى عَلى الخَدَمِ

إِيهٍ أَبا مَاجِدٍ .. والدَّهرُ ذُو شُبَهٍ
مُزَيِّناتٍ لَديكَ الوَردَ بالعَنَمِ

بَينَا البَرايَا نِيامٌ وَهوَ مُرتَفِقٌ
إِذا بِهِ ضارِبًا ضَرْباتِ مُنتَقِمِ

يَقولُ لَا تُوقِظُوا حُلمًا يُراوِدُكُم
" فإِنَّما يَقَظَاتُ العَينِ كالحُلُمِ "

هذَا الحِمامُ وقَد وَافاكَ مُشتَمِلًا
بلَامَةِ الغَدرِ مِن خَلفٍ ومِن أَمَمِ

سِتٌّ وسَبعُونَ غالَتهَا مُفاجَأَةً
والنَّاسُ مِن دُونِها صِفرٌ بلَا رَقَمِ

كَفاهُ مُشتَبَهًا بالحَالِ مُتَّهَمًا
مِن كُلِّ مُشتَبَهٍ في النَّاسِ مُتَّهَمِ

*******

إِيهٍ أَبا الشِّعرِ .. ما أَقسَى لَوائِمَنَا
لَو تَعلَمُ النَّاسُ ما نُخفيهِ لَم تَلُمِ

بَينَ الحَياةِ ومَن فِيها مُؤَامَرَةٌ
كُبرَى عَلينَا لَها تَسعَى كَمُنتَقِمِ

نَنالُ ما لَو سِوانَا نَالَهُ دَرَكًا
لَرَامَ أَيسَرَ ما فِيهِ .. ولَم نَرُمِ

حتَّى نَؤُوبَ بجُرحٍ غيرِ مُندَمِلٍ
برَغمِنا .. وبصَدعٍ غيرِ مُلتَئِمِ

يَا صَفوَةَ الصَّفوَةِ البَاقِينَ آخِرُهُم
هذَا جَنانِيَ يَجنِي مِن حَريقِ دَمِي

لِنَستَمِعْ أَمسِ ما قَالَ (النَّبِيُّ) لَنَا
(أَبو مُحَسَّدَ) سَمعًا دُونَما صَمَمِ

" مَنِ اقتَضَى بسِوَى الهِندِيِّ حاجَتَهُ
أَجابَ كلَّ سُؤالٍ عَن هَلٍ بلَمِ "

*******

يَا سَيِّدَ الحَرفِ .. أَنتَ اليَومَ مُرتَهَنٌ
بِمَكرُماتِكَ .. والأَخلاقِ والشِّيَمِ

اللهُ يَعلَمُ .. والأَيَّامُ شَاهِدَةٌ
ما النُّجحُ إِلَّا بِها في مِثلِ مُحتَدِمِ

إنِّي أُعيذُكَ مِن شَرٍّ يُباغِتُنَا
تَلهُو بِهِ زُمرَةُ الأَعرابِ والعَجَمِ

سِيَّانِ عِندَكَ وَفرٌ بَعدُ أَو عَدَمٌ
فأَنتَ قَلبُكَ مَاءُ الوَفرِ لَا العَدَمِ

يَا نَاضِحًا بِشُعورِ المُرهَفينَ هُدًى
" لَوْ صَابَ تُرْباً لأَحيا سالِفَ الأُمَمِ "

إِنْ كُنتَ عَافِيَةً لِلرُّوحِ في بَدَنٍ
فقَد تَلاشَى حَنانُ البُرءِ بالسَّقَمِ

الدَّهرَ أَرثِيكَ .. لَا يَومًا ولَا سَنَةً
حتَّى يَشوبَ شَبابِي شائِبُ اللِّمَمِ

اليَومَ تَغفُو مَعَ الأَشجانِ مُغمِضَةً
" فنَمْ ولكنَّ حُزنِي فِيكَ لَم يَنَمِ "

المُلتَقَى في غَدٍ في ظِلِّ وارِفَةٍ
يَا مَن بِكَ ازَّيَّنَت مِن مُفرَدٍ عَلَمِ

سِتٌّ وسَبعُونَ ما نَدرِي بِما اكتَنَزَت
نَستَودِعُ اللهَ ما فِيها مِنَ الحِكَمِ

#محمد_إبراهيم_الرقيحي
#وقفةُ_حَزين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب

تابعنا على فيسبوك

Labels

شريط الأخبار

ads

حكمة

في بعض الأحيان الخطوة الأولى هي الخطوة الأصعب تقدم وأخطوها فقط وليكن لديك الشجاعة الكافية لان تتبع إحساسك وحاستك السادسة.

حكمة اليوم !

التسميات

العاب

منوعات

{"widgetType": "recent posts","widgetCount": 4}

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *