الثلاثاء، 25 أغسطس 2020

قسيسة من خلف الضباب 2 بقلم عفاف البعداني

قسيسة من خلف الضباب2
-------------------
عفاف البعداني

كسرت حاجز الصمت الرهيب وابتدأ بيننا عزف الحديث ،اﻵن وصلنا أيتها القسيسة فقط افتحِ  عينيك بعمق وانظرِ إلى هذه التحفة الخلابة! مارسِ النظرببطء،ورأقبِ أي تأثير قرع نوافذ  قلبك .

-ابتسمت وأدارت ظهرها لي  وراحت أعيُنها تحدق في البعيد بتأمل،ولم تكف عينها عن النظر وقالت: فعلاً يا إنسية إنها رائعة وتستحق أن يتمزق حذائي في وعورتها التضاريسية .

-ياقسيسة هنا جل أجوبتي ،توقفي وتمعنيها وستفهمي كل شيء ، انظرِ بالضبط عند تلك البحيرة التي تلتف حولها اﻷشجار !!

-القسيسة تقول: اها نعم ;وجدتها!! أشارت بيدها هناك صحيح في الجهة الشرقية،نعم إنها جميلة جدًا ،أهذه البحيرة هي جوابك،وتمثل سر صوتك؟

-لا…..  ياسيدة الشعور لطفًا بالحكم المسبق وسأخبرك ، أتعرفي تلك البحرية الجميلة، تلك مارسي التأمل ببطء .

-أتقصدين تلك البيوت المهجورة شمال البحيرة،مابها يبدو أنها بائسة جدًا.

-سأجيبك أيتها القسيسة تلك البيوت هي حكاية وطني، تلك هي قريتي التي كُسرت رؤوس منازلها ببارود الصواريخ، وهناك سوق السعادة الذي تخضب بالدماء ،وذاك باص اﻷمل الذي تحول إلى لقمة سائغة لوحش الطرقات،وتلك مدرستي المدمرة لم يبقَ منهاسوى العلم المرفرف ،وهناك حقل جدي الذي حرثته شظايا القنابل المحرمة،وهناك تحت الشجرة،كان عهد وفائي لصديقتي/مَنَسه…. التي وعدتني أنها لن ترحل، ولكنها متاثرة بقذيفة رحلت و فارقت الحياة .

تنصت القسيسة وتصغي لبوحي وكأنها تريد أن تعانقه،ولكني صمت قليلاً.

-فقالت: بسرعة أكملي إن كان هناك المزيد.

-أجبتُهاسأكمل !! أيتها القسيسة لاأخفي عليك قبل حقبةزمنيةكانت مدينتي مدينةمكتضةبأبجديات الحياة،وكانت تعجو بالسكان وكنت فيها طفلة عصية،أزرع حقولاً من اﻷحلام ،لا أعترف بالمستحيل،والصعب ،وكنت أتمنى لو أني أراها اليوم كما رسمتها في لوحة أحلامي السابقة وكما حكاها لنا جدي الطيب ، واﻵن كَبرتُ أنا ورحل جدي ،ومدينتي شاخت وهرمت من تطاول العناء عليها، لم  تستطع أن تجاري عقارب العصر الجائعة،لقد دمر العداون كل شيء له علاقةبالحياة، والعالم ينظر بصمت شديد، دون أدنى إنسانية،نموت ،نجوع، نعرى ،نحن نجازف كل الصعوبات ولوحدنا،ولمدة خمس سنوات.

-القسيسة على مضض من أمرها تقول: مهلاً في سرد الكلام لم أستطع استيعاب كل هذا بلحظة أي شعب أنتم ربماقد سمعت بكم سابقا ،هل أنتم الشعب الفلسطيني ؟!!

- لا… ياعزيزة نحن لسنا من فلسطين …  وأرجوكِ دعيني أكمل ربما هذا الكلام هو ما احتفظت به ذاكرتي مذُ سنين ولم أتحدث به ﻷحد ،لا أريد أن تفهمي أسماءنا ، بقدر ماأريد أن تعي ما أشعربه وماتجرعه موطني بالضبط.

- حسنًا لك هذا ياإنسية.

-أتعرفي أيتها القسيسة ؟! لقد كنت فلاحة مخلصة تعشق اﻷرض ،وتتكل على الله في معولها الحرفي؛ تنتظر ريح الطبيعة المليئة باﻷدب،ولكن في يوم جاءت وحوش مفترسة لاتعرف الحب ولا القيم ولا اﻷخلاق، بدأت في تأريخ2015/يوم الخميس/26 مارس/ الثانية عشرة بعد منتصف الليل ،أتت محملة بغربان سود أيقظت كل التنانين النائمة التي كانت تعيش في بلادنا ونحن لانعرف،كانوا على هيئة مواطنين محايدين، ولكن ليس لهم من الوطنية إلا العدم، حلقت الطائرات وقصفت ودمرت، التهمت الحقول وأشعلت فيها الحرائق ،وانتفض المنحطين و غزو اﻷزقة والشوارع وذبحو اﻷمن فداءً لسيد الضياع ، انطفأت مصابيحنا ليلاً، وابتلع جمال الشروق صبحا، وانقلبت الحياة في مدينتي رأس على عقب ،بلحظة فقدنا كل شيء،وأصبح وطني الصغيرالذي تريه اﻵن بهذا الشكل الخرف،تحول إلى وطن كبيرًا  يحتضن أقسى مظلومية شهدها التأريخ،وتحولت منازله إلى كومة خرائب.

فلم يكن لدي متسع لألقي عثرتي سوى في ذاك المكان الذي وجدتيني فيه،أهرب إليه في فصل الربيع، عليّ أتخلص من ذاكرتي المحتفظة بكل شيء،وأنسجم مع الخيال الذي يعيد لمدينتي لونها وشكلها وألقها في السابق،وبهذه الطريقة أنسجم بوحدتي مع الطبيعة وأبحر في موسوعة الخيال ولا أعود إلا عندحضرة الغروب مشكلةحياة مختلفة وطاقة جديدة أعود بها إلى وطني المتعب.

ظليت أتكلم ونظري شارد نحو المدينة وكأن وجع الحديث بات مشترك بينناأنا والسماء والجبال والمدينة .

القسيسة تصغي بصمت ولم أنتبه ﻷمرها وعندما نظرت إليها رأيت أن وجنتيها قدتبللت ،خجلت منها وقلت : أتبكين !!أتبكين!!  أيتها القسيسة لم أقصد أن أكدر خاطرك ولكن أنتي أردت ذلك.

-ردت بصوت محارب فقد قائده :نعم… . لقد هزني شعورك ،كم أنتي غريبة أيتها الإنسية تضمرين في قلبك أوجاع مقدسة، لقد جعلتيني أعيش معك الألم زمن بزمن ،وتفصيل بتفصيل ،ليتني أقدر على أن أزيح عنك ولو نصف العناء ،وأحمله عنك،ليتني أمتلك سحر الزهور الذي يعيد ما فقدتي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب

تابعنا على فيسبوك

Labels

شريط الأخبار

ads

حكمة

في بعض الأحيان الخطوة الأولى هي الخطوة الأصعب تقدم وأخطوها فقط وليكن لديك الشجاعة الكافية لان تتبع إحساسك وحاستك السادسة.

حكمة اليوم !

التسميات

العاب

منوعات

{"widgetType": "recent posts","widgetCount": 4}

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *