الأربعاء، 26 أغسطس 2020

قسيسة من خلف الضباب قلم المبدعة عفاف البعداني

قسيسة من خلف الضباب 4
-------------------------------------
عفاف البعداني

- لابأس اعذريني ربما لن أستطيع أن أعود لزيارة الجبل.
- لما أيتها الإنسية؟؟
-سأخبرك بشرط أن تصعدي إلى غرفتي وسنكمل بقية الحديث.
-حسنا.

صعدت تلك القسيسة،وكنتُ خلفها وقد خالفتني كل الشكوك وتأكدت أنها حقيقة وليست محظُ خيال ،كنت أشاهدها وأملىء عيني منها ؛كي أُثبت لنفسي أني على حقيقة.

وصلنا للغرفة وجلسنا،وبدأتُ أسرد معها الحديث وسألتُها أستحلفُك بالله من أين أتيتي وما هي نواياكي، هل تضمرين شر خفي ؟؟لقد مضيت البارحة وأنا غارقة في أسئلة لا أجوبة لها.

-يسوءني ظنك يا يازهرة؟؟؟

لا أخفي عليكم أيها القارئين على رغم جمالها إلا أن الوحشة كانت تلف زهرة من كل جهة ،فتمتمت في نفسها وبدأت تقرأ آية الكرسي ،فإذا بالقسيسة تكمل معها وتقول :بصوت مرتفع ((ولايؤده حفظهما وهو العلي العظيم )).صدق الله العظيم

-تقول زهرة: ارتبكت…  منها كونها اكتشفت ريبي و سألتهابدهشة !!هل كُنتِ تقرأين معي ؟

-أجابتني: نعم… لقد شعرتِ بالوحشة فقرأتي آية الكرسي ليطمئن قلبك صحيح .
- نعم صحيح.
-أيتها الإنسية لا تقلقي ..أنا أتيت من العالم اﻵخر،وأعتنق الإسلام وكما هناك في عالمكم أشرار وطيبين ،أيضًا في عالمنا هناك كلا الصنفين ،وأنا مؤمنة بالله ولدي من يعلمني القرآن ،ولكن أنا مشكلتي ليس مسألة مخالفتي للدين ،وإنما مشكلتي هي!!.

-زهرة تقاطعها!! ماهي مشكلتك بالضبط؟؟
- ﻷني.. ﻷني.. 
- ﻷنك ماذا أكملي…..  ؟؟

-القسيسة تكشف سرها وتقول:.. ﻷني لا أحبذ عالمي ،أنامحبطة فيه لم أجدالرابط الوثيق الذي يجعلني أحب عالمي أكثر،الجميع في قريتي يجيد العمل ويحارب؛ كي يحقق الهدف الوجودي إلا أنا، بلغت من العمر ثلاثمائة سنة، وهربتُ من أهلي،عشت في ذلك الكهف وحيدة وأسميت نفسي قسيسة .

-لا أعتقد  هذا سببا كافيا في أن تكرهي عالمك أشعر  أن هناك مازالت الأسرار مخبأة ومكتضة وإني ﻷراها بوضوح في مصباح حدسي الذي قلمايخطأ،  هل هناك أشياء تخفيها عني أيتها القسيسة؟؟؟

-لايوجد شيء.
-ولكني أراكِ مرتبكة وأصابعك تتشابك وكأنها خائفةمن شيء ، ومابال عينيك تنظر للأسفل أعتقد أني محقة ولابأس إن لم تكن لديك رغبة للحديث معي .

-لا… ليس هذا أقصده وإنما أخاف أن تستيقظ جروحي النائمة، أخاف أن أصحو على حقيقة دفنتها منذُ سنين ، ولكني اطمئننت لكِ وسوف أخبرك،السبب الذي جعلني أترك عالمي في الحقيقة ماجعلني أكره عالمي هو موت السيد/ قرعدستان…  فالحياة بعد وفاته تتطلب جهدًا لم أعد أملكه.
-إذًا لقدكنت محقة ،من هذا قرعدستان وكيف توفى هل فسرتِ لي أكثر؟؟؟
-سوف أخبرك بشرط أن لاتخبري أحد.
-ابشري لقدعلمني أبي أن السر هو كنز ثمين يجب أن لانفرطه .

-القسيسة غيرت مكانها ووقفت تحكي ولم تجرؤ أن تضع عينها بعيني،بل بدا وكأنها تنظر لمكان من الصعب عليّ رؤيته ،ولم أكن إلا تلميذة مهذبة تصغي لما ستقوله بشغف وهدوء.

-قالت:… قرعدستان ، كان قائدًا حكيمامسلما لديه مرونة فطرية بالتعامل مع  جميع اﻷديان ، لايرضى بالظلم للمسلمين وغيرالمسلمين يحارب الأرواح الشريرة،كان يسجن مجموعة من المشاغبين الذين يثيرون الشغب بعالمنا وأيضًا أتجه البعض منهم إلى عالمكم، كان يجمع الأطفال والشُبان في حديقته وتحت شجرته العظيمة التي يستظل بها عشرات من المخلوقات الجميع يقصده من جميع المذاهب واﻷديان ليسمعوا حديثه المليءبمعرفة الله عن حب ، بزغت أجمل براعم الحياة الوردية في حضوره،كان يجمعنا؛ ليحكي لنا قصص الآنبياء وقصص لبعض الأولياء الصالحين،كان يعلمنا أساليب العيش على منهج سوي في محراب الفضيلة ،والمثير للدهشة عكازته الرحيمة يازهرة!!  إن أومت للأعلى كان القادم جميلاً  ،وإن اعوجت للأسفل، كان الطقس غائما مخيفا ، كأنّها تستلهم عباراتها من  القدر بكل ما تقول.

-كنتُ أتابعها بإنصاف… أكملي.

- تكمل القسيسة…. أذكر جليًا ذلك اليوم المروع، كان هناك مجموعة من الأشرار يقصدون أسواقنا ليخلفوا فيه الخراب ويمارسو الربا على البائعين، ويلحقوا بالمساكين أشد الخسائر  ،فوصل الخبر إليه فغضب فكل مراده أن نعيش بسلام وعدل ولو كنّامن عدة مذاهب مسيحية،شيعية سنية،صوفية التعايش بنظره يتطلب لعدل إنساني وسلام روحي ،هكذا كان اعتقاده بإصول البقاء، بعدهاتنكر بزي قروي يبيع الفخار في سوق الحياة، وعندما جاوء يتفرعنون كعادتهم ،أخرج سيفه المدجج بالغضب وقتلهم ،عم الآمان في قريتنا ولكن لم يطل أمده،فلقد حدث مالم نكن نتوقعه ولم نستطع أن نستوعبه.

-زهرة تعجبت… ماذا حصل؟ولما تغيرت ملامحك هكذا ؟؟

- دعيني استريح قليلاً لقد أشتد بي التعب وأشعر بالدوار.

جلست أمامها وللوهلة نظرت نحوها وقدشبت فيهاكل تجاعيد الحزن والبؤس ،أعطيتهاالماء وانتظرت قليلاً فإذابها تستعيد قواها وتكمل سرد القصة .

-زهرة اصغِ إليّ لقد توفى هذا الحكيم،وهو في محراب الصلاة؟؟
بعدما وصل النبأ لسيد الشر، أن أتباعه قُتِلوا، هَمَّ بالثأر و أرسل جواسيس يراقبون مآربه التي تتجه هنا وهناك ، وبينما هو ساجد في محراب الصلاة، هبت طائفة الوردة السوداء الذين لايعرفون أي درب للرحمة، أو أي طريق  للسلام ، قتلوه وانقضو عليه ككلاب جائعة و ضآلة ، فتطايرت روحه من براجم المحراب ، وخرجت ألوان قزحية فاقعة اللون ،مع سرب من الحمام الأبيض ،وتبعتها أصوات شجية هزت عرش القرية بأكملها.

خاف المتمردون ولاذو بالفرار ولحقتهم لعناتهم الشريرة وأصبحوا يتمنون الموت ، خلاصا لأتعابهم الحية، لشدة العذاب الذي هم لاقوه ،فهذه سنة الحياة من يلوث يديه في قتل الطيبين والأبرياء فلن ترحمه الحياة ،وسوف تغضب عليه ولاتسمح له بالعيش عليها فريحتهم الكريهة بقيت ملتصقة ومتعفنةفي أثوابهم ومحفورة بملامحهم وإلى اﻷبد. 

اقترب الناس من كافة اﻷطوار، الشكلية والدينية؛ ليعرفوا مالذي حدث في محراب قرعدستان، فإذا بهم يرونه باسم الأفق، مستريح البال ،عباءته تعانق جسده وكأنها لاتريد أن تفارقه، عمامته الهادئة تبكي بحرقة،و قد تدحرجت من رأسه نحو زواية من مأذنة المحراب وكأنها تريد أن تخبر الجميع بماحصل ،أدرك الجميع أنه قد مات بمراسم حزينة ومغلوب عليهم فيها، ولكني الوحيدة التي لم تستطع تقبل موته لقدكان معلمي ،وشيخي، وقدوتي، ولكن لازال المشوار طويلاً حتى أبلغ مرامي وأصبح قسيسة في عالم الأرواح، بهذا وعدني ولكن ذهب وتركني أقاسم نفسي أتعاب الحلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب

تابعنا على فيسبوك

Labels

شريط الأخبار

ads

حكمة

في بعض الأحيان الخطوة الأولى هي الخطوة الأصعب تقدم وأخطوها فقط وليكن لديك الشجاعة الكافية لان تتبع إحساسك وحاستك السادسة.

حكمة اليوم !

التسميات

العاب

منوعات

{"widgetType": "recent posts","widgetCount": 4}

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *