*حيَّ على الذكرى*
مذُ مدة لم أتفقدني، تغيبتُ عنيَّ، أُجيل النظر في دهاليز الزمن عليَّ ألتقي بي، بتلك الطفلة الشقية، بتلك الصبية الشغوفة، فلاأجد إلا جسد أحدودب ظهره، يقبع بتكاسل مضرج بالأسى على ضفاف روحي المتخمة بالتعب. روحي التي غدت تمشي عرجاء على منسأة الذكرى إلى سراب اللاعودة.
أُحملقُ في زوايا الذكريات فتغتالني صور الماضي، حين كنتُ طفلة تتنقل في فناء دارها العتيق بسعادة ومرح، ترمي بجسدها على مهلٍ لتصل إلى صدر العشب الأخضر، تتمايل كورقة تتراقص في فصل الخريف عبر الهواء الطلق. طفلة تلهو بتلك الأرجوحة ذهابا وإيابا لايوقفها شيء.
اليوم أراني عدت لنفس الفناء، لنفس الأرجوحة لكنني لم أعد أنا ولم أعد تلك الطفلة، كبرت كثيرًا عنها. صرت أكثر عزلة وأقل حديثا، لم أعد أبالي بما كنت أفعل سابقا، فقدت الشغف بالأشياء. مذُ مدة لم تتورد شفتاي بالحمرة الصاخبة، لم يتوسد الكحل على عيني البنيتين، لم يعد لدي أولويات واهتمامات الأنثى. غدوت كبئر معطلة، شيدت في قصر مهجور.
ماأردت قوله هو أنه يحدث أن تتوق لنفسك القديمة ولكنك قد لاتجدها، وهنا الحلقة الأصعب. يحدث أن تنتصب أمام المرآة بشموخ لاند له، ثم تكتشف فيما بعد أنك مكبوت في الموقف الأضعف. يحدث أن يظن الجميع أنك قد أوتيت من السعادة عتيا، وأن الفرح بات نديمك، بينما لو تعمقوا لماهية أسارير مُحياك الممتلئة بالضحكات لعلموا أن مطبات الزمن قد عاثت بها خرابا، وتيقنوا حينها أنك أكثرهم احتياجا وأقلهم فضفضة.
✍🏻 :-
ش
غ
ف
رويدا البعداني
1/أيلول/2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب