تابــــــع...
(#المهاجـــرون_مــع_الطيـــور)
روايـــــة واقعيـــــة
للدكتور: إسماعيل محمد النجار
7 أكتوبر 2016م
الحلقة: (3)
︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾
كان غالب شماخ يعرف مواعيد هجرة الطيور، ومن أين تنطلق، وما هي المحطات التي تمر بها في رحلتها، ومنتهى الرحلة، وتزاوجها وتكاثرها، ويعتمد الناس عليه في تفسير كثير من ظواهر الطبيعة والكونية، ويمدهم بتنبؤات الطقس ومواسم الزراعة.
وعادةً ما يقضي وقته في زراعة البن والقات والموز، كمساعد لزوجته والعمال، أو فوق إحدى التباب للتأمل والتفكر، احبته زوجته وحاولت إبعاده عن العمل بالزراعة، وتقدم له كل متطلباته دون إن تكلفه عناء الطلب، بل عاش حياة المترفين أو المدللين، ليتفرغ للقراءة والكتابة في علوم الدين والفلك، وتتفاخر أمام الجميع بزوجها العالم في الدين والفلك.
وحين يأتي مواسم هجرة الطيور يقضي معظم وقته على تباب الجبلين، أو ضفاف السائلة، ليقدم خدماته للطيور المهاجرة، من حب وماء، ويقوم برعاية الطيور المريضة، لتواصل رحلتها مع السرب، أو يبقيها حتى يأتي الموسم التالي للهجرة، لتلحق بالسرب، وقد تبقى في قرية المدامكة دون العودة.
عرف غالب شماخ تفسير أصوات الطيور، وعندما تكون محلقة يطلق أصوات صفير، لترد عليه الطيور.
عاش غالب شماخ حياته في المدامكة وتبابها، حالما بالهجرة كما تهاجر الطيور، ويردد دائما على مسامع ولده شماخ وزوجته متى أهاجر إلى فضاء حر ورحب وكريم، لتخاف زوجته وتحزن، وتقبل يديه طالبةً أخذها إلى حيثما يهاجر ويستقر.
علم ابنه شماخ كأحب أولاده وأكثرهم قربا لقلبه وعقله، مبادئ علوم هجرة الطيور، وكيف تعاني وتتعب في هجرتها لتصل إلى غايتها، تأثر شماخ كثيرا بأفكار والده وحياته، فلا يفارق شماخ والده في حله وترحاله، داخل القرية أو خارجها، وفي إحدى الأيام خرج شماخ مع والده من قرية المدامكة في المحابشة حجة، للبحث عن عمل في الحديدة، وانتقل عبر البحر لميناء عدن، وعمل على السفن، وعندما تمر الطيور المهاجرة يعتلي سارية السفينة ليصدر صفيراً وأصواتاً لا تلبث الطيور أن تنزل لدقائق، وتغادر مواصلة رحلتها، ليردد غالب شماخ: سألحق مهاجرا طال الزمن أو قصر.
لاحظ كابتن السفينة الفرنسية تكرار تسلق غالب شماخ السارية، وترديده للأصوات، وهبوط الطيور، فاستدعاه وتحدث معه عن اهتمامه بهجرة الطيور، وأعجب بامتلاكه الكثير من علوم الفلك، واهتم برغبته بالهجرة، ووعده بمساعدته، وسأله: لماذا تأخذ معك ولدك وبهذا العمر؟ فرد عليه: ليبدأ حياة جديدة، وفي عالم جديد يؤمن له حياة حرة وكريمة. فضمه الكابتن للعمل مع طاقم السفينة، لينتقل إلى سواحل مرسيليا في فرنسا، وهناك تعرف على امرأه فرنسية من أصول فيتنامية، تزوجها وانتقل الثلاثة ليستقروا في العاصمة الفيتنامية (سايجون)، وهناك حصل على عمل، وأدخل شماخ مدرسه فرنسية، ليتخرج ويلتحق بالجامعة قسم اللغات، وواصل دراسته الجامعية وحصل الماجستير والدكتوراه من جامعة سايجون، ليتوظف في شركة فرنسية للسياحة، خبيرا في الترويج السياحي، تزوج العديد من النساء وأنجب خمس بنات وخمسة أولاد.
أصيب بحالة اكتئاب نفسي نتيجة رفضه وعدم التكييف مع المجتمع، ودخوله بمشاكل مع زوجاته وأولاده، وتمت معالجته، ونصح بتغيير نمط حياته، للابتعاد عن الوسط الذي عاش فيه، ولجأ لجامع باريس ليقضي معظم أوقاته في قراءة الفقه والتراث الإسلامي.
وخلال هذه الفترة ألف العشرات من الكتب في: (التراث العالمي - وتفاعل وتقارب الحضارات - والإسلام بين العقل والعبودية - والإسلام حضارة وتراث)، وغيرها من الكتب، وترجمت للغات مختلفة، ونوقشت في بعض الجامعات، واعتمدت كمصادر للبحث في الجامعات الفرنسية وبعض الدول الأوروبية، وأصبح شماخ محاضرا زائرا في الجامعات الأوروبية والفرنسية.
دخل ستة من أولاده في الإسلام، بينما ظل أربعة متمسكين بديانتهم المسيحية واليهودية.
اعتزل شماخ الحياة الأكاديمية والسياحية، متنقلا بين مراكز البحوث الإسلامية في فرنسا وأوروبا، ليثري التراث الإسلامي.
وبعد وفاة والده، لم يستطع الانسجام مع إخوانه من الأم، ومع بعض أولاده، وتوصل لقناعة العودة لليمن، حتى تنتهي عقدة ترك والدته وإخوانه: قناف، وحفصة، اللذين تركهما وعمر قناف آنذاك خمس سنوات، وحفصة ثلاث سنوات، وقد انقطع تواصلهم عن اليمن، واعتقد الجميع أنهما في حكم الأموات.
يتبــــع...
┄┉❈❖❀✺❀❖❈┉┄
من مختارات:
سلطان نعمان البركاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب