السبت، 13 فبراير 2021

فنجان قهوة بقلم أميمة راجح

 

فنجان قهوة

لاشيء أبدا يساوي فنجان قهوة من يدي أمي ،أعلم أنها القهوة ذاتها والمكونات ذاتها:

سكر ، ماء مغلي ،(لقمة) قشر ،الزنجبيل المجفف .

لكن قهوة أمي مختلفة دونما سبب.

وها أنا في منزل والدتي أحتسي القهوة معها ،رغم شرودها وملامحها الباهتة ،وذبول تقاسيم وجهها إلا أننيأرآها الأجمل والأروع مرت ساعة لم أتناول فيها غير القهوة ،الفنجان الأول شربته على عجل حينما كنت أحدث زوجي عما ينقصنا من الحاجيات ،الفنجان الثاني شربته على وجل وأنا أتهرب من أسئلة والدي الجادة عن تقديراتي الجامعية المتدنية ،الفنجان الثالث تناولته في رشفتين كنت غاضبة من سوء أدب أختي الصغرى معي ،الفنجان الرابع كان الأسوء فقد انسكب على السجاد بسبب محاولة أحد إخوتي ملاطفتي وحملي، ليتهم فقط يعلمون كيف أتلهف لهذة القهوة ويتركوني أتذوقها دون مرارة ولو رشفة واحدة.

الفنجان الخامس مازال ساكن ينتظر مني استهلاكه ،أشعر أنه خائف من أصابعي ،من شفتاي أكاد اسمع رجاءه الخفي بالنجدة مني، انطلقت ضحكتي العالية والعميقة لتجذب انتباه والدتي الصامتة أمامي .
نظرات أمي قتلت ضحكتي فتلاشى الصوت كما يتلاشى دخان القهوة المشبع برائحة الزنجبيل.
مرت ثواني والترقب عصف بالمكان ثم سمعت سؤال أمي:

زيد سيقتل زين؟
أم زين سيقتل زيد؟
من سيستشهد أولا؟
ومن سيصلنا جسده قطعة واحده؟

كانت الحروف تتراقص حول فنجان قهوتي ثم تبتسم لي بسخرية وتنزلق بين القهوة تمتزج برائحتها.
اختفى الفنجان من أمامي وأما رائحة القهوة تبدلت برائحة ماء الورد وعطر العودة والمسك الخاص بالجنائز، وشهيق أمي فقط  انتزعني من وحشية الخيال، فرفعت كفاي  وحاوطت وجه أمي وهمست لها في رفق:

لن يحدث إلا ماكتبه الله لنا من الخير  ياحبيبة.

قالت وهي تتأوه:

الخير؟
يا (سلام)!
زيد مع هولاء وزين مع أولئك ،كلا يحمل بندقيته خلف مترسه يصوب نحو الأخر ،أحدهما سيكون القاتل والأخر المقتول ،
أين الخير ياسلام؟

قلت :
أماه هوني على نفسك ،لاسبيل لك إلا مناجاة ربك.

غرقت أمي في أفكارها السوداء ،وتذكرت فنجان قهوتي ،حاوطته بأناملي رفعته ببطء أود شرب بعضا منه،لكني فجأة رميته بعيدا لم أعد أريده فكلمات أمي لوثته .

صرخت أمي:
ماذا فعلتي؟

لم أجبها ،فصوت  الرصاص والألعاب النارية أوقفت الحديث والنبض فينا، هل جاءت جثة أحدهما؟

زوجة جارنا تصرخ، لابد انه ابنها ،ليس أخي ،ليس ابنك يا أمي لاتخافي كانت الحروف تخرج متقطعة، سمعت أمي تنوح:
يا حسرتاه
يا حسرتاه
يا فلذات كبدي.

وتلطم وجهها بلا وعي ،لقد جنت ،زيد يكبرني وزين يصغرني وأنا الرابط بينهما لاأملك من السلام إلا حروفه الأربعة.

أميمة راجح

14/1/2018

الأحد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب

تابعنا على فيسبوك

Labels

شريط الأخبار

ads

حكمة

في بعض الأحيان الخطوة الأولى هي الخطوة الأصعب تقدم وأخطوها فقط وليكن لديك الشجاعة الكافية لان تتبع إحساسك وحاستك السادسة.

حكمة اليوم !

التسميات

العاب

منوعات

{"widgetType": "recent posts","widgetCount": 4}

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *