الأحد، 25 يوليو 2021

الحقيقة العارية، بقلم الشاعر/عبدالرزاق الكميم


كتب #عبد_الرزاق_الكميم
2021/7/21

،،،الحقيقة العارية ،،،

سألني أحد الأصدقاء ،
ماهي خلاصة تجربتك مع الكتاب والقراءة ؟
فأجبته قائلا :
لقد بدأت أتعرف على ملامح الكذب الذي سرق ملابس الحقيقة العارية ولبسها وبات يجوب العالم بها ،
ـ كما أني أصبحت على أتم الاستعداد للنظر الى الحقيقة كماهي ، والاستماع اليها ، وعدم اشاحة وجهي عنها .

قال :أنتم الشعراء غريبون و تحبون الغموض ، فتعقدون المسائل أكثر من اللازم ،
لم أفهم من إجابتك شيئ.
فرويت له اسطورة (الحقيقة العارية) ، واريدكم أن تستمعوا إليها، لأني أعتبرها خلاصة تجربة طويلة قضيتها في البحث والإطلاع ،

تقول أسطورة القرن الـ 19، ان الحقيقة والكذب التقيا يوما.. فقال الكذب للحقيقة:
- إنه ليوم جميل حقا.
نظرت الحقيقة حولها فى ريبة، رفعت عينيها إلى السماء، لترى أن اليوم بالفعل كان يوما جميلا، فقضت وقتا طويلا بصحبة الكذب فى ذاك اليوم.

فقال الكذب :
- الماء فى البئر رائع، فلنستحم سويا.
نظرت الحقيقة للكذب فى ريبة للمرة الثانية، ولمست الماء، لتجده بالفعل رائعا، فخلع الاثنان ثوبيهما، ونزلا للاستحمام فى البئر.
وفجأة، خرج الكذب من البئر، مرتديا ثوب الحقيقة وركض بعيدا.

ـ خرجت الحقيقة الغاضبة من البئر، تركض وراءه فى كل الأماكن بحثا عن ثوبها، فكان البشر ينظرون إلى عريها ويشيحون بوجوههم فى غضب واستهجان .
أما الحقيقة المسكينة، فعادت إلى البئر من فرط خجلها ،وماتزال فيه الى الآن.
ومنذ ذلك الحين، يسافر الكذب حول العالم مرتديا ثوب الحقيقة، فيلبى أغراض المجتمع، بينما يرفض الناس أن يروا الحقيقة عارية.

ـ الأسطورة بالتأكيد فيها قدر كبير من التشاؤم، فهي تغيِّب الحقيقة بشكل كامل ، وهذا أمر يتنافى مع الواقع و يخالف العقل والمنطق ، ولكن ربما لأن الاسطورة ولدت في زمن ضبابي تغيب فيه الرؤية الواضحة مع عدم وجود أدوات الفحص والتجريب للتمييز بين الحقيقة والكذب ، بعكس ماهو متوفر في هذا العصر الذي باتت الرؤية فيه اكثر وضوحا في ظل فضاءات مشمسه وطرق معبدة ومفتوحة تسهل لك الوصول الى المعلومة ، ومن ثم فحصها والتأكد من مدى مصداقيتها ، في وقت قصير وبجهد قليل .
ولكن وبالرغم من ذلك ، لايزال السواد الأعظم من الناس ـ بالذات في بلدان العالم الثالث ـ غير مستعدين لمشاهدة الحقيقة وهي عارية والاستماع اليها وهي تصف دناءة الكذب الذي عمد الى تشويه سمعتها بينما ارتدى ملابسها ليخفي مساوءه خلف تلك الملابس الجميلة ،بغرض تحسين منظره وتحقيق مكاسبه الشخصية الدنيئة ،

ـ خلاصة القول أن الواقع اليوم يفرض علينا ـ أكثر من أي وقت مضى ـ
أن نعتمد على مبدأ القبول بالآخر والاستماع اليه والتحاور معه طالما كان الآخر مستعدا لتحكيم معايير العقل والمنطق ووسائل التجريب والتحقيق العلمية ، لمعرفة الحقيقة أو بالأحرى للإقتراب منها،
شريطة أن يكون ذلك تحت مظلة قيم الحرية والعدالة الإجتماعية والمساواه ، والمحبة والتسامح ،

ـ مالم فإن الإدعاء بامتلاك الحقيقة، واختزال الطهارة والوطنية ، و تجريد الآخرين منها.
سيجعلنا ندور في حلقة مفرغة ،لانرى فيها سوى العنف والعنف المضاد، ولانسمع سوى لغة التحريض التي لايمكن أن تنجب سوى المعاناة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب

تابعنا على فيسبوك

Labels

شريط الأخبار

ads

حكمة

في بعض الأحيان الخطوة الأولى هي الخطوة الأصعب تقدم وأخطوها فقط وليكن لديك الشجاعة الكافية لان تتبع إحساسك وحاستك السادسة.

حكمة اليوم !

التسميات

العاب

منوعات

{"widgetType": "recent posts","widgetCount": 4}

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *