تابع...
قطوف من:
الخلاصة في علوم البلاغة لعلي الشحود
(79)
︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾
🔳 *في الوصــــــلِ والفصــــــلِ:*
▪ *مواضــــــعُ الفصــــــلِ:*
الأصلُ في الجملِ المتناسقةِ المتتاليةِ أنْ تعطفَ بالواوِ، تنظيماً للّفظٍ، فأحياناً تتقاربُ الجُملُ في معناها تقارباً تامًّا، حتى تكونَ الجملةُ الثانيةُ كأنها الجملةُ الأولى، وقد تنقطعُ الصَّلةُ بينهما، إمَّا لاختلافهِما في الصورةِ، كأن تكونَ إحدى الجملتينِ إنشائيةً والأخرى خبريةً. وإمّا لتباعدِ معناهُما، بحيثُ لا يكونُ بين المعنيينِ مُناسبةٌ.
وفي هذهِ الأحوالِ يجبُ الفصلُ في كلِّ موضعٍ من المواضعِ الخمسةِ الآتيةِ وهي:
● الموضعُ الأولُ - «كمالُ الاتصالِ» وهو اتحادُ الجملتيِن اتحاداً تاماً وامتزاجاً معنوياً، بحيث تُنزَّلُ الثانيةُ من الأولى منزلةَ نفسِها كما في الحالات التالية:
أ- بأنْ تكونَ الجملةُ الثانيةُ بمنزلةِ البدل من الجملة ِالأولى، نحو قوله تعالى: {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ}[الشعراء: ١٣٢، ١٣٣].
ب- أو بأنْ تكونَ الجملةُ الثانيةُ بياناً لإبهامٍ في الجملةِ الأولى، كقوله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى}[طه: 120] ، فجملةُ (قال يا آدمُ): بيانٌ لما وسوسَ به الشيطانُ إليه.
جـ - أو بأنْ تكونَ الجملةُ الثانيةُ مؤكدةً للجملةِ الأولى بما يشبهُ أنْ يكونَ توكيداً لفظياً أو معنوياً، كقوله تعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا}[الطارق: 17]، وكقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}[البقرة: 8، 9])، فالمانعُ من العطفِ في هذا الموضعِ اتحادُ الجملتينِ اتحاداً تاماً يمنعُ عطفَ الشيءِ على نفسِه، ويوجبُ الفصلَ.
● الموضعُ الثاني - «كمالُ الانقطاعِ» وهو اختلافُ الجملتينِ اختلافاً تاماً، كما في الحالتين الآتيتين:
أ- بأنْ يختلفا خبراً وإنشاءً، لفظاً ومعناً، أو معنًى فقط، نحو: حضرَ الأميرُ حفظَهُ اللهُ، ونحو: تكلَّمْ إني مصغٍ إليكَ ، وكقول الشاعر:
وَقَالَ رَائِدُهم أرْسُوا نُزَاوِلُهَا
وكل حَتْفِ امرِئِ يجري بمقدارِ
ب - أو بألا تكونَ بينَ الجملتينِ مناسبةٌ في المعنَى ولا ارتباطٌ، بل كلٌّ منهما مستقلٌّ بنفسِه، كقولك: زيدٌ كاتبٌ، الحمامُ طائرٌ، فإنه لا مناسبةَ بين كتابةِ زيدٍ وطيرانِ الحمامِ.
وكقول الشاعر:
إنّما المرءُ بأصغريهِ
كلٌّ امرئٍ رهنٌ بما لديهِ
فالمانعُ منَ العطفِ في هذا الموضع «أمرٌ ذاتيٌّ» لا يمكنُ دفعهُ أصلا ًوهو التباينُ بين الجملتينِ، ولهذا وجبَ الفصلُ، وترك َالعطفُ،لأنَّ العطفَ يكون للربطِ، ولا ربطَ بين جملتينِ في شدَّةِ التباعدِ وكمال الانقطاعِ.
● الموضعُ الثالثُ - «شبهُ كمالِ الاتصالِ» وهو كونُ الجملةِ الثانيةِ قويةَ الارتباطِ بالأولى، لوقوعِها جواباً عن سؤالٍ يفهمُ من الجملةِ الأولى فتُفصلُ عنها، كما يفصَلُ الجوابُ عن السؤال، كقوله تعالى على لسان النبي يوسف - عليه السلام -ُ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}[يوسف: 53]، ونحو قول الشاعر:
زعَمَ العَواذلُ أنني في غَمْرَةٍ
صَدَقوا ولكنْ غْمَرتي لا تَنْجَلي
كأنه سئلَ: أصدقوا في زعمهِم أم كذبوا؟ فأجاب: صدَقوا
ونحو قول أبي تمام:
السَّيْفُ أَصْدَقُ أَنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ
في حدِّهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
فكأنه استفَْهِمَ، وقال: لمَ كانَ السيفُ أصدقَ؟: فأجابَ بقولهِ: في حدِّه: الخ، فالمانعُ من العطفِ في هذا الموضعِ وجودُ الرابطةِ القويةِ بين الجملتينِ، فأشبهتْ حالةَاتحادِ الجملتين، ولهذا وجبَ أيضاً الفصلُ.
● الموضعُ الرابعُ - «شبهُ كمالِ الانقطاعِ» وهو أنْ تُسبقَ جملةٌ بجملتينِ يصحُّ عطفُها على الأولَى لوجودِ المناسبة، ولكنْ في عطفِها على الثانيةِ فسادٌ في المعنَى، فيُتركُ العطفُ بالمرَّةِ دفعاً لتوهّمِ أنه معطوفٌ على الثانيةِ، نحو قول الشاعر:
وتَظُنُّ سَلمى أنني أبغي بها
بَدَلاً أراها في الضلال تهيمُ
فجملةُ «أُراها» يصحُّ عطفُها على جملةِ «تظنُّ» لكنْ يمنعُ من هذا توهّمُ العطفِ على جملةِ «أبغي بها» فتكونُ الجملةُ الثالثةُ من مظنوناتِ سلمَى مع أنه غيرُ المقصودِ، ولهذا امتنعَ العطفُ بتاتاً، ووجبَ أيضاً الفصلُ، والمانعُ من العطفِ في هذا الموضعِ «أمرٌ خارجيٌّ احتماليٌّ يمكنُ دفعُه بمعونةِ قرينةٍ».
ومن هذا وممّا سبقَ، يُفهمُ الفرقُ بين كلٍّ منْ «كمالِ الانقطاعِ - وشبهِ كمالِ الانقطاعِ».
● الموضعُ الخامسُ - التَّوسطُ بين الكمالينِ مع قيامِ المانعِ» وهو كونُ الجملتينِ مُتناسبتينِ، وبينهما رابطةٌ قويةٌ، لكنْ يمنعُ منَ العطفِ مانعٌ، وهو عدمُ قصدِ التشريكِ في الحُكم، كقوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[البقرة: 14، 15]، فجملة:ُ «اللهُ يستهزئُ بهم» لا يصحُّ عطفُها على جملة:ِ «إنّا معكم» لاقتضائهِ أنه منْ مقولِ المنافقينِ، والحالُ أنهُ من مقولِهِ تعالى: «دعاءً عليهِم» ولا على جملة:ِ «قالوا» لئلا يُتوهمَ مشاركتهُ له في التقييدِ بالظرفِ، وأنَّ استهزاءَ اللهِ بهم مقيدٌ بحالِ خُلوّهِم إلى شياطينِهم، والواقعُ أن استهزاءَ اللهِ بالمنافقينَ غيرُ مقيدٍ بحال ٍمن الأحوالِ، ولهذا وجبَ أيضاً الفصلُ.
يتبع...
┄┉❈❖❀✺❀❖❈┉┄
من مختارات:
سلطان نعمان البركاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب