تابـــــع...
لطائف من:
#أسرار_البيان_في_التعبير_القرآني..
للدكتور فاضل صالح السامرائي.. (40)
︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾
▪ الســــــــؤال:
ما دلالة كلمة: (نهَر) بفتح الهاء، وكلمة: (مقتدر) في قوله تعالى في سورة القمر: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ☆ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}[٥٥]؟
* * *
▪️ الجــــــــواب:
(النهَر) بالفتح: هي من السعة في العيش والرزق وما تقتضيه السعادة، وهي من الضياء ومقتطعة من كلمة: (نهار)؛ لأن الجنّة ليس فيها ظلمة ولا ليل. و (نهر) بمعنى مجرى الماء (فيها أنهار من ماء) و (تجري من تحتها الأنهار).
وفي قوله تعالى: {في جنّات ونهَر}، بمعنى أنهار وسعة وضياء، وهذا ما يسمى التوسع بالمعنى.
وفي قوله تعالى في سورة محمد: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ}[١٥] لم ترد كلمة: (تجري) للأنهار؛ لأن الماء الآسن لا يكون إلا بركود الماء، فلم يتطلب السياق ذكر كلمة: (تجري)، أما في قوله تعالى: {تجري من تحتها الأنهار} لم يكن هناك من داع لتحديد (غير آسن)؛ لأنه جاء وصف الأنهار بالجريان، الأمر الذي لا يؤدي إلى أن تأسن الماء.
أما قوله تعالى: {في مقعد صدق}، هذه هي الآية الوحيدة في القرآن الكريم كله التي وردت في وصف الجنة بهذا التعبير: (في مقعد صدق)، ودلالة: (مقعد صدق) أن المقاعد الأخرى كلها كاذبة، وهذا هو المقام الوحيد الصدق؛ لأنها: إما أن تزول بزوال القعيد أو الملك، وهذا المقعد الوحيد الذي لا يزول، وقد يأتي الصدق في معنى الجودة فيقال: نسيج صدق، بمعنى: مقعد الخير ولا أفضل منه.
فما هي دلالة كلمة: (مقعد)، ولماذا لم يستعمل كلمة (مقام)؟ لأن الأكرم هو القعود، وهو يدل على الانتهاء من القيام والراحة، وقد ورد في القرآن الكريم: {مقام آمين} كلها ذكر مقام الربّ، يذكر الخوف: {ولمن خاف مقام ربه جنتان}، فكلمة: (مقام)، تعني: معه الخوف، فمن خاف المقام يؤمن، كما أنهم خافوا مقام ربهم في الدنيا أمّنهم في الآخرة: {في جنات ونهَر في مقعد صدق عند مليك مقتدر}.
واستعمل كلمة: (مليك) من الملك، وهو الحكم، ولم يقل مالك من التملك، والملِك ليس مالكاً. الله تعالى جمع لنفسه التملك والملك: {قل اللهم مالك الملك}. الفرق بين مليك وملك: هذه الآية الوحيدة التي وردت فيها كلمة: (مليك)، في القرآن المَلَك على صيغة فَعَل، أما (مليك) على صفة فعيل. وصيغة فعل تختلف عن صيغة فعيل بالدلالة، فصيغة فعل تدل على الأعراض، وتدلّ على الأشياء الطارئة، مثال: صبرة، رجل غمَش، أما فعيل فتدل على الثبوت، مثل: جميل، وصغير، وقصير، وهي صفة مشبهة، أي: صفات ثابتة، أو تدل على التحول إلى الثبوت، فلا يُسمّى الخطيب خطيباً من أول خطبة، بل بعد عدة خطب. كما يقال: فَقِه المسألة فهو فقِه، ويقال: فَقُه الرجل، أي: صار فقيهاً، وكذلك نقول: عَسَر الأمر، فهو عَسِر؛ وعسُر الأمر فهو عسير. وبما أن المقعد في الآية: {في مقعد صدق} ورد في مقام الإستمرارية، وجب قول مليك مقتدر: {عند مليك مقتدر}.
واستخدام كلمة: (مقتدر) تفيد المبالغة في القدرة، وتماشت مع سياق الآية؛ لأنها تشمل مبالغة في الوصف والجزاء والطاعة والأجر والسعة، ولذا اقتضى المبالغة في القدرة.
يتبـــــع...
┄┉❈❖❀✺❀❖❈┉┄
من مختارات:
سلطان نعمان البركاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب