الثلاثاء، 25 أغسطس 2020

قسيسة من خلف الضباب 1بقلم عفاف البعداني

قسيسة من خلف الضباب 1
-----------------------------
عفاف البعداني

يوميات زهرة: أكابر الصبح الجميل، وأعاود ذلك المكان البعيد،مكان مليء بصوت الحياة ،ومكتض بالذكريات القديمة ، مكان مرتفع وبارد في قلب الجبل ،يحتفظ بالكتب ،وبتأريخ الحروب ،وبجرة الماء ،وموسيقى الراديو،وبعض من فتات الزمن القديم .

وحيث الاخضرار ،والشلال ،وقطرات الندى ،وعشبةالوطن النادرة ، لا يبدو أي شيء حزين ، ولكن هذه المرة الشيء المختلف بيننا أناوالزمان والمكان ،هوالشعور ،لاسيما شعور دفتري الفيروزي ،لقدتغيرثمنه،وجودةورقه،وصفو ملامحه ،ابتلع حروب متكاملة ،وأقوال متناقضة،وأحداث متسارعة،ولا من حاوي له سوى الحقيبة ،التي اشتريتها قريبًا من مكتبة الثورة.

أراقب المكان وأتأكد من طائر الوقواق أن الجميع غياب ،عدى عندليب الكتاب ، بعدها أنتهز الفرصة ،اقرأ الحروف وأعد متكئًا لوحدتي في وسط الطبيعة؛ولكي تتأثرالطبيعة وتعي قضيتي بصدق ،أتخيل أني "محمود درويش"وهو يتحدث عن ثورة فلسطين بطريقة يتأثر منها الحجر قبل البشر.

أقلب الصفحات،وتبدأ رحلتي في القراءة وأول صفحة تناولتها يدي، هي صفحة متعبة تتنفس من فجر الحروب ، تتحدث عن وطن ،تخبرني أنه  على مايرام رغم المنعطفات المميتة،مقاومًا رغم الحصار الخانق، والدمار الشامل ،هكذا كانت تراتيله وكانت مراسيمه الحياتية ،يروادني إعتزاز  لا أستطيع كبحه وإن خرج سوف يذهل العالم،مستتبًا ولا أعرف ماأقول ، ففكري حينها استشهد عند صبره ،وهاب  بشجاعته وحريته،وآخيرًا وقف متعجبًا !!عند صفحة صموده التي كُللت بمواكب الشهداء ،وهاهي تسمو وتكبركل يوم مع أبطالنا في الجبهات. 

ارتفع صوتي وهو مموج بمعزوفة حزينة لما يشهده الواقع ،ومعزوفتي هذه المرة باحثة عن  رحى في أرجاء المكان علها  تطحن جرحنا القاسي وتجعله ناعما يساور نسائم الطبيعة بلطف ،وعلى حين غرة جاوبني الصدى من ذاكرة الجبل الوحيد ، ونال التعب منه،بكيت جهرًا دون أدنى مقاومة، ظنًا أن لا في المكان أحدسوى حفيف الشجر وخرير النهر ،ولكن حدث مالم  أتوقعه!! وما لم استنبطه!!  لقداستيقظت قسيسة من خلف الضباب،قسيسة من كهف قديم مزحوم الخراب!!! تُسألني من أين أنبثق الصوت ،ولماهو مائل نحو اﻷماكن المهجورة ؟؟تراني وتسألني ماسرك أيتها اﻷنسية!؟؟و لما تتنكري بزي غريب بادري بالجواب ! هل منكِ؟ أم من وطن تخبئينه في ثنايا السُهاد؟؟

خفت! ارتعبت! تفاجأت! من أين هبت تلك المخلوقة، وهل يعني أنها سمعت كل شي ء،يالله مابوسعي وكيف أجيب على كل تلك اﻷسئلة،نظرت نحوها بدقة وأدعيت زعامة الموقف وقلت: .. يعزني الجواب ياقسيسة  الشعور ويالؤلؤة متقوقعة استيقظت من أدب البحور ، ياويح جوابي إنْ بادر بالقصور وياصمتي كيف تشرح لها أن في وطني تم سحل الزهور، وتعذيب عندليبنا المأسور، وهل سنعذر جواب الغائبين والعالم حضور، هل هناك ضير إن أخذت غِمارًا من التلعثم في السطور.

لا…… ياسيدة الشعور يعز عليّ الجواب يانائمة منذُ دهور، فما بوسعي وما أقول! ؟ ومن أين أبدأ؟ هل من زي العروبة المهترى !؟أم من عمامة القاضي المجترى؟! أم من صراع اﻷنا المختبئ !؟

فصوتي الذي سمعتيه ،قبل قليل تقاسمه الشرود،وأصبح كبيت غزاه بيت العكنبوت،دعي صوتي المائل والغريب ، دعيه مع أجوبته يتقاسمان اللحود، دعيه في كومة غرابته وعودي ونامي في صومعتك القديمة.

لا تستيقظِ على هذا الصوت الحائر ؟وفي هذا العصر الحاضر ؟؟ربما إن عُدتي لمكانك ونسيتِ صوتي، أن الغد سيأتيك بصوت جميل ،مليء بترانيم السلام وأمل الحياة المفقود ،ربما اﻵتي سيكون بيده الجواب ياسيدتي الكريمة.

-تنصت القسيسة وبشغف دؤوب تقول: ..يالعذوبة كلماتك ،ولكن أنا يا إنسية  لاأحب الهروب، ولا أجيد الانتظار ،حدثيني عن عصركم،وعن ماحدث لمدينتكم ، كفاني  سبات في صومعتي اﻵخيرة، أريد أن أعرف مالذي تخفيه وراء هذه الكلمات.

- تقول زهرة:… حسنًا !!تعالي برفقتي  وستعرفي كل شيء،متجاهلة خوفي ورعبي منها،قررت أن أخذها إلى أعلى سلسلة جبلية؛ دون أن أطيل معها بالكلام؛ كي أخبرها ماعجزت عن شرحه، كانت القسيسة تمشي ببطىء شديد،وحذاءها البني ناعم جدًا لايناسب خشونة عصرنا الحجري، وثيابها كانت من الجلود القديمة ،ومفصلة بشكل مختلف ،شعرها غريب يخرج من خلف طرحتها الخفيفة  يصافح الريح  بفضول العصرالقديم،ابتعلت ألم اﻷشواك بصمت ،وتحملت تيارات البرد القارسة.

كنت أنظر إليها باستمرار خفت عليها من قسوة الطبيعة فأخذت بيدها وأمسكتها برفق  وكانت ناعمة أكاد أن أفلتها ،ودب فيني شعور خارج عن مفهوم الزمن فلاهو حب ولاهوكره ! لاهو خوف أو ريبة!  لا أعرف بالضبط مالذي جعلني أشعر أن هناك قوة خارقة انبثقت حينما تصافحنا وكأننا شكلنا بأيادينا قوس قزح ولكنه على مقربة من اﻷرض الممددة،ولكن ماشدني لها أنهاتبدو متشوقة أكثرمن كونها متخوفة، وبعد عناء طويل وصلنا إلى القمة و بعد رحلة مليئة بالعناء أرخيت يدي حين وصلنا بأمان ،تنفسنا بعمق وداعبتنارياح لطيفة وكأنه كانت النادل الوحيدالذي رحب بنا على تلك القمة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب

تابعنا على فيسبوك

Labels

شريط الأخبار

ads

حكمة

في بعض الأحيان الخطوة الأولى هي الخطوة الأصعب تقدم وأخطوها فقط وليكن لديك الشجاعة الكافية لان تتبع إحساسك وحاستك السادسة.

حكمة اليوم !

التسميات

العاب

منوعات

{"widgetType": "recent posts","widgetCount": 4}

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *