الأربعاء، 19 أغسطس 2020

مقتطفات بقلم سلطان البركاني

تابــــــع...
            (#عــــــودة_العقــــــل)
              قصـــــة من الواقـــــع

         للدكتور: إسماعيل محمد النجار
             14 يناير 2017م
                                     الحلقة: (3)
︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾

في إحدى المرات دخل على الجولة أحد المجانين العنيفين، ويدعى: (حكوك)؛ (لأنه يعاني من حالة حساسية، ويقضي معظم أوقاته يحك جلده، ويزمجر بأصوات غريبة)، ورقد في فراشه، وعبث بالمحتويات، ليبحث عنه أحد المتشردين ويخبره، وحضر وجن فوق جنونه عندما رأى المجنون راقدا في فراشه، ووجد المجنون حكوك قويا وشديد البأس.

نادى وبصوت مرتفع أصحابه من المتشردين، وأصحاب الحالات النفسية، وهجموا على المجنون الغريب دفعة واحدة، ليردد (أبزق) أثناء ضربه: الجولة لا تتحمل أكثر من مجنون يا شقي.

قاوم المجنون الدخيل (حكوك) بقوة ولفترة طويلة، ليضطر أمام هجوم (أبزق) ومعاونيه وصراخه الذي يملئ الجولة، لينسحب هاربا، وما هي إلا ساعة حتى يأتي صديق (أبزق) حسن صندقة، ويمتلك كشكا أو صندقة من الزنك خلف الجولة، ليطلق عليه حسن صندقة، وهو طالب في سنة ثالثة أدب عربي، ويعرف (أبزق) تماما، ويعطف عليه وقت الحاجة بتقديم الطعام او الشراب والقات والسيجارة، ويستمتع بعض الأوقات بشعره ونثره، ويستعين به لشرح واجباته أو محاضراته في الكلية، وقدم له بعض الحلويات والشاي والسيجارة استعدادا لأخذه إلى عمارة قريبة من الجولة دخلها المجنون (حكوك) هاربا من (أبزق) وأصحابه، وفتح باب السطح غير المقفل، ويقفله من الخارج، ليتدلى بأرجله على الحرف، ويصرخ ويهدد بالانتحار، شاكيا من ضرب (أبزق) له، ومنعه من النوم في فراشه.

وتجمع الناس أمام العمارة، وصعد بعضهم سلم العمارة، ووجدوا باب السطح مقفلا، حاولوا فتح الباب دون جدوى، ودقوا الباب بشكل قوي، وكلما سمع حكوك محاولة الفتح أو دق الباب يزيد من تدليه على الهاوية، واتصل المحتشدون في الخارج تلفونيا للمحاولين دق الباب أو نزعه للتوقف حتى لا يقفز، وكان (أبزق) ينظر إليه ويضحك، ويردد: انتحرت أو عشت لا يفرق معهم يا شقي، ولا يؤثر في مجرى الحياة، فأنت مجنون لا تزن إلا السوء في هذا المجتمع.

حدث حسن صندقة الحاضرين بسماعه قصة ضرب (حكوك)، ومحاولة انتحاره، واقنع (أبزق) ليعتذر من (حكوك)، ووعده بالعيش المشترك في النفق والجسر، وطلب مكبرا للصوت، وجعل (أبزق) يوجه الاعتذار لـ(حكوك) لينزل من العمارة، واعدا بعدم التعرض له ومسامحته، وتقاسمهما القمامة، لكن (حكوك) كان يردد: أنت تكذب. طالبا مجيئ شيخ ضمان ليعطيه الأمان، فرد عليه (أبزق): تنزل حسب ما وعدتك، وإلا سوف أقطع العمارة من تحت لتسقط معها. فرد عليه: حاضر.. حاضر، أنا نازل. ليرفع أرجله ويفتح الباب، ونزل مع الواقفين عند الباب.

وخرج (حكوك) من الباب، ليستقبله (أبزق) ويعطيه كفين، ووقف حسن صندقة حائلا بينهما، وقال (أبزق): يا صندقة، الجولة لا تتحمل أكثر من مجنون. طمأنه صندقة أنهم ذاهبون مع بعض للبحث عن منطقة يقيم فيها (حكوك)، وتوجهوا الثلاثة مشيا لشارع حدة، ووصلوا لبوابة مطعم الشيباني، وعندما رآهم أحد زبائن المطعم اخرج لهم كمية كبيرة من الأكل، وأخبر صندقة (حكوك) أن المنطقة خاصة به، وما أن انهى حديثه حتى قام (أبزق) بدفع صندقة للخلف حتى كاد أن يسقطه، قائلا له بحنق: هذه منطقة خير! لماذا لم تخبرني وتركتني في جولة الجوع و البؤساء، وانصرف تاركا صندقة و (حكوك) وعاد لجولة تعز وهو صامت يتبعه صديقه صندقة، وتوجه للنفق في حالة هدوء وعودة للعقل على غير العادة، وجلس صندقه بالقرب منه ليراقب ماذا يفعل، واخرج (أبزق) قلمه وكتب وألقي شعرا، وبصوت مسموع، قائلا ما معناه: ما ذنبي حتى أعيش حالة بؤس، فطعامي من القمامة والنفايات كالكلاب والقطط المتشردة، ولا كهف يحميني من البرد والغبار، حتى بطانيتي مثقبة ومتسخة، ويملؤها التراب، ملابسي قذرة ولها أكثر من سنة، وجسمي تغطيه طبقات من الأوساخ، أصبح لونها اسود وبني، وشعر رأسي يسكنه القمل والحشرات، ما هذه الحياة التعيسة! حتى الكلاب المتشردة لا تعيش حالتي، لم يعد في قلوب البشر رحمة ليلتفتون إلينا ويتصدقون علينا، بل ينظرون إلينا نظرة ازدراء، يالله!! لم أعد أحصل على الأكل حتى من القمامة، فكثير من أصحاب القمامة أصبحوا بخلاء علينا، ويجمعوها ويتصدقوا ليكسبوا الأجر، ولا يعرفون أننا أحق بالأجر، وأجرنا مضاعف، بل ويشمئزون عندما نقابلهم ونطلب رحمتهم، حتى من يجلس بجانبنا أو يقف ليتسلى بالحديث معنا يسخر ويؤذينا بكلامه، حتى رحمة السماء تنزل على الجميع، ما عدا نحن الذين رفع الله القلم عنا، الماء أصبح حلما لغسل أيادينا ووجوهنا، نحاول دخول الجامع لنغتسل فإذا بعباد الله الصالحين يطردوننا، وينهالون علينا شتما وضربا إذا أصرينا...

       ----------------------

● ملحوظة:

ننوه إلى أن تكملة كلام (أبزق) سينشر في الحلقة التالية.. وذلك بسبب طولها، مما أضطرنا لتجزأتها وتوزيعها في هذه الحلقة، والحلقة التالية لها..

                                    يتبــــع...  
            ┄┉❈❖❀✺❀❖❈┉┄
                    من مختارات:
               سلطان نعمان البركاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب

تابعنا على فيسبوك

Labels

شريط الأخبار

ads

حكمة

في بعض الأحيان الخطوة الأولى هي الخطوة الأصعب تقدم وأخطوها فقط وليكن لديك الشجاعة الكافية لان تتبع إحساسك وحاستك السادسة.

حكمة اليوم !

التسميات

العاب

منوعات

{"widgetType": "recent posts","widgetCount": 4}

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *