الثلاثاء، 14 مايو 2019

سلسلة أهل العلم* الحلقة (6)

سلسلة أهل العلم*
الحلقة (6)

*هو عند المحدِّثين: إمامُهم، وعند الفقهاء: سيِّدُهم، وعند الحفَّاظ: أميرُهم، وعند الشجعان: رائدُهم، وعند الثابتين على الحق: قائدُهم، عالِمٌ لا كالعلماء، وعَلَمٌ لا كالأعلام، يُعدُّ بجدارة إمامَ القرن الثالث الهجري، فريدُ عصره، ونادرة دهْره، قَلَّ أن يجود الزمن بمثله  إنَّه إمام أهل السُّنَّة، الإمام أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل  رحمه الله*.

قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله: "عالِم العصر، وزاهد الدهْر، ومحدِّث الدنيا، وعَلَمُ السُّنَّة، وباذل نفسِه في المحنة، قَلَّ أن ترى العيونُ مثلَه، كان رأسًا في العِلم والعمل، والتمسُّك بالأثر، ذا عقلٍ رزين، وصِدْقٍ متين، وإخلاصٍ مكين، انتهتْ إليه الإمامةُ في الفقه والحديث، والإخلاص والورع، وهو أجلُّ من أن يمدح بكلامي، أو أن أفوهَ بذِكْرِه بفمي".

*وُلِد الإمام أحمد رحمه الله ببغداد، وتوفِّي أبوه وهو ابن ثلاث سنين، فكفلتْه أمُّه، ويُنسب إلى جدِّه لشهرته*.

نشأ الإمام أحمد ببغداد، وتربَّى فيها تربيتَه الأولى، وشبَّ على حبِّ العِلم، واستمرَّ في طلب العلم بعزم صادق، حَفِظ القرآن، وأقبل على الحديث والأثر، حتى حفظ مئات الألوف من الأحاديث، وألَّف المسند في مدة ستِّين سَنة تقريبًا.

*يقول عنه الإمام الشافعي رحمه الله: "خَرَجتُ مِنْ بَغْداد، فَمَا خَلَّفتُ بِها رَجلاً أَفْضلَ، ولا أَعْلَمَ، ولا أَفْقَهَ، وَلاَ أَتْقَى مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ*".

وقال ابنه عبدالله: قال لي أبو زُرعة: "أبوك يحفظ ألْفَ ألْفِ حديث"، فقيل له: وما يُدرِيك؟ قال: "ذاكرتُه فأخذتُ عليه الأبواب"، ويقول ابن الجوزيِّ عن الإمام أحمد: "كان - رضي الله عنه - شديدَ الإقبال على العِلم، سافَرَ في طلبه السفر البعيد، ووفر على تحصيله الزمانَ الطويل، ولم يتشاغل بكسْب ولا نِكاح حتى بلغَ منه ما أراد".

*وكان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله زاهدًا قانعًا، وكان على قدم السلف الصالح سالكًا، فلم يقبل هدايا الخلفاء والسلاطين، قال إسحاق بن موسى الأنصاريُّ: "دَفَع إليَّ المأمون مالاً فقال: اقسمْه على أصحاب الحديث، فإنَّ فيهم ضعفًا، فما بقي أحدٌ إلاَّ أخذ، إلاَّ أحمد بن حنبل فإنَّه أبَى*".

وكان يقول: "إذا ذُكِر الموت هان عليَّ كلُّ شيءٍ من أمر الدنيا، وإنَّما هو طعامٌ دون طعام، ولِباس دون لباس، وإنَّها أيَّام قلائل، ما أَعْدِل بالفقر شيئًا"، وكان يأكل مِن عمل يده، وإذا وجد خصاصةً كان يؤجِّر نفسه للحمل في الطريق، وعن زهده قال صالح بن أحمد: "ربَّما رأيتُ أبي يأخذ الكِسَر، ينفض الغبارَ عنها، ويصيرها في قصْعَة، ويصبُّ عليها ماءً، ثم يأكلها بالمِلْح، وما رأيته اشترى رمَّانًا ولا سَفَرْجَلاً ولا شيئًا من الفاكهة، إلاَّ أن تكون بطيخة - فيأكلها بخبز - وعنبًا وتمرًا".

*وقال ابنه عبدالله: كان أبي أحرصَ الناس على الوحدة، لم يرَه أحدٌ إلاَّ في المسجد، أو حضور جنازة، أو عيادة مريض، وكان يكره المشيَ في الأسواق، ولا يدع أحدًا يتبعه، وتلك والله مقاماتُ العظماء، ومناهج العلماء الأتقياء*.

وكان من شدَّة ورعه رحمه الله أنَّه لا يُحدِّث إلاَّ في كتاب خشيةَ الزلل، مع قوَّة حافظته، وشدَّة عارضته، ولا يسمح بتدوين فتاواه، ولا يرى تأليفَ الكتب تقوىً وورعًا منه - عليه رحمة الله - قيل: إنَّه لسعة علمه أجابَ عن ستين ألف مسألة بـ "قال الله، وقال رسوله، وفتاوى الصحابة - رضي الله عنهم".
*و صحَّ عنه بأسانيد، أنَّه كان يصلِّي في كلِّ يوم ثلاثمائة ركعة، قال ابنه عبدالله: فلَّما جُلِد كان يصلِّي مائة وخمسين ركعة*.

وكان رحمه الله سليمَ القلب، يعفو عمَّن أساء إليه، أغلظ له رجلٌ الكلام، وترَكَه مغاضبًا، ثم عاد إليه نادمًا، وقال له معتذرًا: "يا أبا عبدالله، إنَّ الذي كان مني على غير تعمُّد، فأنا أحبُّ أن تجعلني في حلٍّ، فقال الإمام أحمد: "ما زالتْ قدماي من مكانها حتى جعلتُك في حلٍّ".

*ولعلَّ أعظمَ مِحنة وفتنة تعرَّض لها الإمام أحمد رحمه الله هي مِحنةُ خَلْق القرآن، استطاع المعتزلةُ خلالها التسللَ إلى قلْب المأمون، وأقنعوه بمسلكهم الفلسفيِّ في التفكير الذي نتج عنه إنكارُ صفات الخالق سبحانه وتعالى ومِن بينها صِفة الكلام، ومِن ثَمَّ دعوة المأمون العلماء إلى القول بخَلْق القرآن*.

وأراد المأمون أن يحملَ النَّاس على ذلك، إلاَّ أنَّ الإمام أحمدَ بن حنبل رحمه الله تعالى أبى واستعصم، وثَبَت على الحقّ، في الوقت الذي تراجع فيه كثيرٌ من أهل العِلم عن قول الحقّ. وابتلي في هذه المِحنة، فَثَبَت على نَهْج الكتاب والسُّنة، وما عليه سلف الأمَّة في التوحيد والصفات وإنزال القرآن، حتى أوذيَ وامتُحن، فصبر وصابر، ولم يتزحزحْ عن قول الحقِّ، حتى رُبِط موقفُه في محنته بموقف الصِّدِّيق رضي الله عنه.

*يقول عليُّ بن المديني: لقد أعزَّ الإسلام برجلين، بأبي بكر يوم الفتنة، وبأحمد بن حنبل يوم المِحْنة*.

ولاقَى مِن العذاب ما لاقَى، صابرًا محتسبًا، مدافعًا عن عقيدة أهل السُّنة والجماعة. وجلد في عهد المعتصم حتى أنجلت الغمة بتولى المتوكل رحمه الله .

*كان الإمام أحمد محدثاً أكثر من كونه فقيهاً، وكان لا يكتب إلّا القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، لذلك عرف فقهه بالفقه المأثور، فكان لا يفتي في مسألة إلّا إن أفتى بها أحد من قبل سواء صحابي أو تابعي، أو إمام، وكان الإمام أحمد شديد التحفظ بالأمور التي تتعلق بالعبادات، أمّا في المعاملات فتميز فقهه بالسهولة، والمرونة، فتمسك أحمد بنصوص الشرع التي تيسر ولا تعسر، وكان أيضاً شديد الحرص فيما يتعلق بالفتاوى، فلم يسمح لتلاميذه أن يكتبوا الفتاوى الخاصة به؛ وذلك لأنّه قد يغيرها.
  مرض الإمام أحمد قبل وفاته مرضاً شديداً، فكان ينام محموماً ويأخذ نفسه بصعوبة، وتوفي رحمه الله يوم الجمعة الموافق الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة 241 هجري، وكان يبلغ من العمر سبعة وسبعين سنة،[٥] اجتمع الناس بالآلاف في الشوارع لحضور جنازته*.
,الألوكة
طريق الإسلام
موقع موضوع

✍ أسعد الله أوقاتكم بطاعته تصبحون على خير❤🌹❤🌹❤⭐🌙⭐🌙⭐🌙

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب

تابعنا على فيسبوك

Labels

شريط الأخبار

ads

حكمة

في بعض الأحيان الخطوة الأولى هي الخطوة الأصعب تقدم وأخطوها فقط وليكن لديك الشجاعة الكافية لان تتبع إحساسك وحاستك السادسة.

حكمة اليوم !

التسميات

العاب

منوعات

{"widgetType": "recent posts","widgetCount": 4}

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *