الاثنين، 28 أكتوبر 2019

إب الجميله (بقلم الشاعر الدكتور عبدالكريم الشويطر)

قصيدة إب الجميلة للشاعر  د. عبد الكريم الشويطر

1 ـ أنا لست أزعم أنني إلا فتىً،
ولدته (أمـًّا)،
إسمها إبُّ الجميلةْ
جسدي ترعرع فوقها،
وصبايَ ما عرف الهوى،
إلاّ على تلك الخميلةْ
مازلتُ أذكر وجهها يحنو عليَّ،
وقد بَنتْ لي موضعاً ، في قلبها،
وسكنتُ فوق رموش مقلتها الكحيلةْ
مازلتُ أنشقُ عطرها ،
وأشمُ رائحة الحقول ،
وأنتشي بِبَرُودِها ،
في ظل طولقةٍ ظليلةْ
بَرَكاتها وجمال ذاك الحيِّ ما زالت تنادي الروح،
ترجع بالحنين إلى منابعه الأصيلةْ
لملاعب العهد القديم وللصِّبا،
يهتز قلبي كالغصون ،
وينتشي طرباً ،
إذا اقتربت نسائمها العليلةْ
لمواسم العلاَّن …ذاكرةٌ تجول،
وللحصاد حلاوةٌ…أواه كم بَعُدَت،
وكم كانت جميلة

2 ـ  بحدائق الرمان ، والتين المضّمْخ بالندى،
والغيم ، والأغصان مفعمةٌ ،
بأنفاس البُكورْ
يا حُسن ذاك الحسن ،والأزهار ،
قد نظمت قلائدها ودارت ،
حول أعشاش الطيور
والماء منسكبٌ على خدِّ الصخور ،
وقد جرَت وتجمّعت منه الجداول ،
في المشنّةِ والبُجور
وغضارةُ الصّحوِ البديع ،
تحفها شمس الأصيل،
كأنها ذهبٌ يذوبُ،
كأنه ألقُُ يثور
وخيوطُ أعمدة الدُّخان على البيوت،
كأنها سُحبٌ ، تعربد في الهواء ،
كأنه ضوءٌ يدور
وشقائق النَّعمان والمشمُوم والريحان،
في الشرفات ترقص في الهواء من السرور
يا حُسنها يزداد حُسناً،
وهي تغسلُ وجهها في كل يومٍ  ،
تستحمُّ بوابلِ الغيثِ الـمُشبَّع،
بالأريجِ وبالبخور
يا إبُّ من ينساك إلا جاحدٌ ،
أوحاقدٌ ،أو جامدٌ،وبلا شعور                           

3 ـ ٍسُقيا لأيامٍ خَلتْ ، ومجالسٍ،
في ظل طولَقةٍ ، تـمُدُّ كفوفها،
فوق البيوتِ ، تهزُّها ريح الجنوب
لُعبٌ من الأزهار والأحجار،
آمالٌ مطرزة بأحلام الصِّبا،
وصداقةٌ كالماءِ صافيةٌ ،
مـنـزَّهةُ العيوب
مطرٌ يزمجر بعدهُ مطرٌ،
وأثوابٌ مبللة ٌ....ومدفأةٌ،
وقصةُ فارسٍ تُشجي عصافير القلوب
وغمامةٌ تغفو بخاصرة الجبال،
علي الروابي ؛ والأصيل سبائكاً حمراء ،
تلحق بالغروب
زجلٌ توقعه أهازيج الصحاب،
كتائبٌ ، حُشدت علي باب الكبير،
وهرولت نحو الذَّهوب
وتسلقٌ وتسابقٌ،
وتعاركٌ في بطن شلاَّلٍ يصبُّ الماء،
من أعلي الدروب
4 ـ وفي الظّهارِ تزاحمٌ  وتدافعٌ،
والصوتُ يعلو بالغِنَاءِ،
وبهجةٌ تصحو بإيقاعِ الطُّبول
والطفل يلحق بالكبار مرافقاً ومشاركاً،
وقوافلٌ تغدو وتأتى،
بالطعام إلى الحقول
يافرحة الشُّراحِ واللُّباج،
والمِجْرانُ مزدحمٌ ، ومعتمرٌ،
بأنواع الغُلول
مالذَّ  لي عيشٌ كذاك العيش في الوادي،
ولا سمرٌ كذلكَ،
بين أصحابي وأهلي،
حول أهرام السَّبوُل
يا إبُّ عِشتُكِ جَّنةً وردية الطرقات،
حمـامـة ً،
رقصت على كَتِف السَّحُول
يا إبُّ صيفكِ ما طرٌ،
وهواكِ بلّورٌ،
وفيك تعانقت كل الفصول
يا إبُ أنت خميلة الدنيا،
وأنت قطيفةٌ حارت بروعتها العقول
إب التي في خاطري فرحٌ،
وقصة عاشقٍ،
وقصيدةٌ كُتِبت بذاكرةِ الحقول
إبُ التي أشدوا بها ،
نغمٌ وبيت مسرّةٍ،
تروي مباهجها المأثر والطلول ،
إب التي غنّيتها ،
قمرٌ يضئ بمفرق اليمن السعيد ،
ووردةٌ نبتت بأحضان الغُيول

5ـ يا إبُّ عشتكِ غادة غيداء،
تعتنق الحياة،
وتحمل الخير الوفير

أنا عاشقٌ لك ِ،
عاشقٌ وطن السواقي،
عاشقٌ بلد المصير
أنا تاركٌ ما عِشتُ أجمعهُ هناك بغربتي،
أنا عـائـدٌ لكِ،
راجعٌ نحو الغدير
ما كنتِ جاحدةً فضلاً على أحدٍ،
ولا ظنَّتْ يداكِ على صغيرٍ أو كبير
ليت الحقول تعود تحتضن الغمام،
ليت السحابة تنثني وتعود،
للبلد المطير
ليت الظـِّبا ، وقوافل الأغنام،
ترعَى فوق عُشبكِ،
أو تسير على دروبكِ،
مثلما كانت تسير
ليت المآذن قاومتْ،
ليت القباب تضرَّعتْ،
أن لا  يمسَّ ترابكِ الغالي،
غنيٌ أو فقير
ليت القلوب تجمّعت،
ليت السواعد شمرّت،
لبناءِ منـزلكِ الفسيح،
على روابيكِ الكثير

6 ـ يا إبُّ يا وطن الغمام ومسرح الغزلان،
يا حُضن الشذى،
بوركتِ يا هِبةَ السّحاب
لازال عطركِ عابقٌ،
وهواكِ قلبٌ عاشقٌ،
مازال في شرخ الشباب
نافورة الأرض الكريمةِ ، باقة المنثور،
والكافور، والفلِّ المدثَّر بالضباب
لا زلتُ ألمحُ في عيونكِ صرخةً،
وأرى بقلبك بعض آمالٍ،
مكسَّرة الرِّغاب
لا زال في حدقاتكِ الخضرا حديثٌ،
يكتمُ المعنَى،
ويطوي قصة الأجيال،
يحكي قصة الأمل ـ السّراب
أفديكِ من بلدٍ تبارك خيرها،
بين المدائن كلّها ،
حتى كأن لها …دعاءٌ مستجاب
7 ـ بلدي أغِّنى مجدها شرفاً،
واقبض من صدى تاريخها طيفاً يحوم
في سفح بعدان الأشم تعلَّقت،
كالتَّاج ، كالعنقود،
كالدُّر المخبأ بين أوراق الكروم
يا سِفح ذاك الطَّود بادرك النّما،
وسقاكَ من كف الأماني ما تروم
غَنّيتُ حُسنكَ آيةً تروي الزمان،
قرأتُ فيكَ مهابة الرجل الكتُوم
وقلاع ريمان المجيد كأنها،
شُعلٌ تدور بحفلةٍ بين النجوم
لا زال يشمخ في الذُرى ( ذو فائش ٍ ) ،
والأيل يركض تحت أستار الغيوم
أشطان تَعكرَ ، أنشبت  في حِصنِ (حّبٍّ) عروةً،
وأريكة (البيضاء) …
في الحضن الرؤوم
وحصون (نَعْمان) الشواخصِ تعتلي،
و( لدار سِليةَ) رهبةٌ فوق الخصوم
صُهبانُ ليثٌ رابضٌ بجنوبها ،
وحُبيشُ صقرٌ واقفٌ بشمالها،
بأسٌ وهيمنةٌ على الباغي الغشوم
بين (المخادر والعدين) قرابةٌ ،
و(لذي السفال) نسائمٌ تشفي الهموم
و(سُمارةُ) التاريخ توَّج رأسهُ،
بالغيم والكلأ الرطيب ،
كأنه ملكٌ يحدِّق في الرعايا والخصوم
ويحدث الهضبات ،
عن زمن ٍ تولّـى وانقضى،
حين أكتوى، بسفوحه ،
(فـُرسٌ) ، (وأحباشٌ) ، (وأتراكٌ) ، (وروم)
لرؤوس حمير صولةٌ في (العَوْدِ)،
في (نخلان) ، في (المِعشار) ،
في تلك البراري والتخوم
و(ظفار) حلمٌ نائمٌ فوق السدود،
وحارسٌ لا بد يوماً أن يقوم
حُييتِ يا أرض الحُصيب ودام عزكِ،
وهو يحمل فكرة السدّ العظيم الى القدوم

وبجبلةٍ أروى.. ومن أروى،
سوى حقلٍ من البركات،والتقوى،
سنابله ُكأمواجٍ تَعُوم
رَسَمَتْ خطوط ملامح الإنسان،
صاغت عزّة الماضي،
وأجبرتِ الحضارة أن تدوم
وهبت كنوز الروح خالصةً لوجه الله،
أسست الحياة ، على مداميك العلوم

ملاءٌ .. يحفُّ مدينة الحلم الكبير،
وشوامخٌ حفرت بخّـدِّ الصخر،
أسماء القُحوم

8 ـ لصدى تباريح الهوى المكنون كفٌ،
ينبشُ الماضي،
ويحيي فيه ذاكرة العصور
هي قصة الحبّ الكبير لتربة الأوطان،
هي المحبَّةُ،
وهْي تقتحم الشعور
وهواجسٌ تصحو بمهجة عاشقٍ،
يخشى على الفرح القديم من العُثور
هي لهفةٌ أن لا يموت بقلبِنا حسُّ الـجَـمَال،
وأن يؤرقنا غداً،
صوت الضمير
هي قصة الوطن الجميل وقد مضت،
سنن الحياةِ عليهِ،
بالقَدَمِ الـجَسُور
لكنه لا ضيرَ .. يا فردوسنا الصغرى،
جمالكِ سوف يبقى،
سوف يرتاد البها, حتماً،
إلى يوم النُّشور
لا زلتِ حاضرة الفنون،
ومسرح التغيير،
وملتقى الآمال في كل العصور
ولِسنُّةِ الأجيال فينا شأنها،
ويَدُ الحياةِ تجبُّ ما تحوي الصدور.

والناس في مجرى الحياةِ،تدفقٌ،
و الفردُ فيه ِ،ممزقٌ،
أو قشَّةٌ، بين الصخور
ولعلَّ حاضرنا يبشِّر بالنّماءِ،
يطوفُ بالهدف الذي نحيا له،
عبر الدهور
وعسى الذي نخشاه يوماً أن يصير غداً،
هو الأمل المتوَّجُ… بالحضور

الطبيب الشاعر الأديب عبدالكريم الشويطر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب

تابعنا على فيسبوك

Labels

شريط الأخبار

ads

حكمة

في بعض الأحيان الخطوة الأولى هي الخطوة الأصعب تقدم وأخطوها فقط وليكن لديك الشجاعة الكافية لان تتبع إحساسك وحاستك السادسة.

حكمة اليوم !

التسميات

العاب

منوعات

{"widgetType": "recent posts","widgetCount": 4}

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *