الأربعاء، 5 فبراير 2020

أكتب ل… بقلم الكاتب : عبدالله محمد الصنوي

أكتب لأنني يمنيٌ فقير ،مُفلسٌ وعاطلٌ عن الأمل
لا أملك نقوداً كافية كي أسافر غداً إلى بلاد أخرى، وكي أرحل من هنا تاركاً خلفي بلاد الحروب والأمراض لسفلتها الكبار وقُطاع الطرق ،
أكتب لأنني تعبت من الركض وحيداً يا ربي،
ولأنه لا يوجد لديَّ حقلاً من الأزهار،ولا بساتيناً من العنب والرمان،ولا أياماً سعيدة،

أكتب كي أعود عشرون عاماً إلى الخلف، وأبدأ صفحة عُمرٍ جديدة محفوفة بالحيطة والحذر في مكان آخر أيضاً،
لأقفز بلا أحذية إلى الميلاد الثالث والعشرون وأغلق  الباب على نفسي،
لأحتفي بالميلاد كما ينبغي،وأعاود الركض في ساحات الحياة دون الحاجة إلى قطع حبلي السري،
لأتذكر حكايات الطريق التي نسيت عناوينها وأنا آتٍ إلى هنا، وأسرد منها رواية كاملة،
لأزيح من مخيلتي فكرة الموت الغبي ،وأختبئُ في أقرب قصيدة دون أن يراني جاري الطيب بعد عودتي مباشرة من أحد مقاهي المدينة وبعد شربي كمية كبيرة من الكولا في الواحدة والنصف ليلاً،

أكتب كي أُعيد ترتيب أشلائي المنتشرة التي
بعثرتها الحرب في السنوات السابقة،
رأسي الضائع مني منذ فترة ،قدماي اللتا تعبتا
من الركض،وأصابع يمناي المبتورة في الخلفية،
لأتسوح في باب اليمن دون خوف وأرتدي الزي الصنعاني والجنبية الصيفانية وأجلب علكات اللبان الشحري والزبيب البلدي والصور الجميلة من بائعي الحرج بأقل الأسعار،
لأصعد قلعة القاهرة في تعز وأستمتع بما أراه لأول مرة ،وأشتري باقة مشاقر طرية من البائعة المتمركزة في أعلى جولات القلعة، وأزين بضحكتها خلفية هاتفي، وأحط شالاً على رأسي،وأفوح بعطرها الفتان،
لتغمرني الأمواج في سواحل عدن والمكلا
والحديدة ولا يراني سمك القرش عارياً بالملابس الداخلية،
لآكل المشبك والحلاوة اللذيذة في أسواق باجل ولتلتصق شفتاي ببعضها،وبعد محاولتي الفاشلة في فتح شفتاي يخبرني الطبيب أن الأمر يحتاج إلى عملية جراحية،
لأندهش في الخضراء الساحرة "مدينة إب"
المدينة التي تقيم فيها الحبيبة وعند وقوفي
لوهلة أترقب هطول المطر وأستمع إلى أغنية أيوب طارش_مطر مطر_
(يا ليتنا خدر بدوي كلهن يدخلنه لوما يروح الخريف)
فتبدو بذلك إب لوحة الله التي لا تقدر بثمن،
لأهجي عشر قصائد عاجلة في لحظة تلاقينا البهيجة،اللحظة التي ألتقي فيها الحبيبة ،وتمسك يدي بيدها ،وأنشد معلقات إمرؤ القيس،وعمرو بن كلثوم، ومجنون ليلى،وعنترة ،
لأرسم على الحيطان ضحكات الصغار الذين
يكبرون مع هدير الطائرات ويتسكعون
في الشوارع، ولأحفظ نغمات أصواتهم البريئة في صندوق خشبي وهم يلعبون الغميضة في مداخل الحارات القديمة،
لأستقبل الجرحى المصابون بشظايا الحدود(البقع والحجاز ونجران والساحل الغربي) وأنزع الوجع من جميع المشافي، وأوفر عدة سرائر لمرضى السرطان،
لأبني البيت الشهيد الذي هدته إحدى غارات
التحالف الخاطئة، وأشيده بالإسمنت الصلب وأسياخ الحديد وأشلاء ضحايا البيت،
لأعود من جميع المعارك التي لم أشارك فيها
سالماً من التدريب والحمل الثقيل،

أكتب كي أطارد مرض أمي وأرمي به خارج البيت،
لأحرق الأدوية التي أدمنتْ شربها كل يوم،
لأعود وتفرح أمي،
لأعتذر لأبي الذي خيبت ظنه في أن أصبح طبيباً يفخر به في مقبل الأيام،
لأعود من صنعاء في العيد القادم إلى قريتي(في تعز)، وأتضحك مع الرفاق أمام دكان القرية،ونلعب الشطرنج معاً،
لأحضر أعراس الفقراء ،وأشعل القنابل النارية فوق البيوت،
لألون أشجار القرية بالأخضر ،وأهشم الأحجار بالمطارق الكبيرة،
لأحصل على حُزم قات فاخرة عند وصولي ،وأمضغ غصني قات على شرفات الوادي،
لألتقط صورة لوجهي الكروي بجانب الجبل ،وأُغير بها بروفايل صفحة الفيسبوك،

أكتب لأصبح عاشقاً يليق بكل هذا الخراب 
لأبتكر لي علاقة جديدة في الحب من أحد النصوص الغنية بالدهشة،
_الحب من أول نص_
لأتغزل بحبيبتي الشاعرة، حبيبتي الأنيقة التي ستقول عن هذا النص أنه جميلٌ للغاية والسلام.

عبدالله محمد الصنوي
**أكتب ل....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب

تابعنا على فيسبوك

Labels

شريط الأخبار

ads

حكمة

في بعض الأحيان الخطوة الأولى هي الخطوة الأصعب تقدم وأخطوها فقط وليكن لديك الشجاعة الكافية لان تتبع إحساسك وحاستك السادسة.

حكمة اليوم !

التسميات

العاب

منوعات

{"widgetType": "recent posts","widgetCount": 4}

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *