السبت، 5 سبتمبر 2020

مقتطفات بقلم سلطان البركاني

.                                               
       (#المهاجـــرون_مــع_الطيـــور)
              روايـــــة واقعيـــــة

         للدكتور: إسماعيل محمد النجار
               7 أكتوبر 2016م
                                      الحلقة: (1)
︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾︾

جولة تعز تقاطع الخط الدائري بشارع تعز، تحتوي على مجموعة من الجسور والأنفاق، وتحتها مواقف مزدحمة بالسيارات.

وتمتاز الجولة بخدماتها الطبية والتجارية والفندقية، وفي مدخل الجهة الشرقية شارع نقم أو برلين، يطل عليه مركز الدكتور النجار لطب الأسنان، وعلى الجهة المقابلة الصيدلية البريطانية، وتحت الجسر توجد مساحه مبلطة خالية كمتنفس للحركة التجارية وبجوارها مواقف سيارات نقم القديمة والمتهالكة، وتصطف السيارات بانتظار الدور.

وخلال فترة الانتظار يجلس بعض العمال والسائقين على الأرصفة من الجهتين، يتناولون القات، ويبرز بين السائقين رجل اسمه شماخ غالب شماخ، سيارته صالون قديم نظيفة، يستخدم الجزء الخلفي مخزنا مقسما لأقسام، يخزن أدوات الطباخة، وطهي الطعام، وقسم لملابسه، والقسم الآخر مفرشو بلاستيكية كبيرة (سجادة)، يخرجها شماخ عندما يحين موعد الصلاة. أما الدور الثاني يحتفظ بكيس بلاستيكي مبطن بالصوف، يدخل شماخ داخله عندما يحين موعد النوم.

وأثناء فترة الليل يستخدم ضغاطا خاصا وغريبا لطباخة وجباته، يجمع داخله الخضار المشكلة من الجزر والباميا والبازلاء، مع قليل من اللحم، ويحضر صحن السلطة، ويضعها جميعا بحافظة، ليتناولها طيلة اليوم، مستخدما في طباختها موقد غاز (شولة أو بابور) صغير الحجم، وفي أوقات معينة يحضر الشاي ويشربه أثناء الكتابة أو القراءة، ولا يحب أن يشاركه أحد في وجباته.

أما في الليل، وعندما يحين موعد النوم، يفتح الكراسي الداخلية لتصبح منبسطة، لينام عليها ويضيء مصباحا صغيرا ويقرأ بعض الكتب بلغات مختلفة حتى يغلب عليه النوم، مطفيا النور، وفي الصباح يعيد الكراسي إلى وضعها، ويرتب سيارته لتصبح جميله ومرغوبة لكثير من الركاب، ويتسابقون على سيارته لنظافتها ودماثة أخلاقه وثقافته، والبعض ينتظر حتى تأتي فرزته أو دوره.

يختفي شماخ لفترات قد تصل لثلاث أشهر أو أكثر، ولا يعرف عنه شيء، ليعود مرتبا في ملبسه وهندامه، وعندما يحين موعد الصلاة يخرج شماخ مكبر الصوت، ويضعه على سطح السيارة، ليؤذن بصوته الجميل، لا يلبث أن يخرج سجادته الكبيرة ليقيم الصلاة، ويتبعه العديد من المصلين من أصحاب المحلات التجارية والسائقين والعمال المتواجدين في الجولة، وما يميز أذانه وقراءته للقرآن تجويده وصوته الجميل، ويشبه صوت المقرئ المعروف المعيقلي، ويلفت الانتباه صوته، جاعلا من الاستراحة تحت الجسر ساحة للصلاة، يتسابق المصلون لحجز أماكنهم، ويصل عدد المصلين ما يقارب الأربعين، يخشعون خلالها لدرجه أن بعضهم يدمع.

قابله أئمة الجوامع المجاورة، طالبين مشاركتهم أو مساعدتهم بالقيام على الجوامع بعد تناقص عدد المصلين بالجوامع المجاورة نتيجة توافد المصلين بعد شماخ، لكنه اعتذر قائلا: لست مستقرا في مكان محدد، أينما وجدت أقيم صلاتي، ووجه لهم بعض النصائح في أصول العبادات دون أن يدخل معهم في نقاش.

أما في صلاه الجمعة، يلبس عمامة وتوزة (نوع من أنواع الخناجر التي يستخدمها اليمنيون، وتوضع بشكل مائل على الخاصرة)، ويتعطر بأجمل العطور، ويختار المكان الذي يقيم فيه صلاة الجمعة، سواء في جولة تعز، أو شميلة، أو حدة، ليؤذن ويذكر بصوته الجذاب، ويفرش حصيرته أو سجادته للصلاة، ويضع أمامه طاولة صغيرة وكرسي، ويطلب من أحد الحاضرين ولديه الرغبة والكفاءة للخطبة أو أقامة الصلاة.

عرف المحيطون بشماخ أنه رجل غريب الأطوار، يثير الجدل، يتمتع بثقافة عالية، وخاصة في مجال التراث العربي الإسلامي، يعتمد على العقل في تفسيره للكتاب والسنة، ويرفض العبودية لأئمة المذاهب أو أصحاب الفتاوى، أو الانصياع الأعمى للمجتهدين والمذاهب، ويعتبر ذلك في فلسفته وفهمه نوعا من العبودية، وأن العبودية لله فقط، وتأتي من خلال التفكر بعظمته، وأن الرسل والأنبياء هم من مخلوقات الله، ويعبدونه ويقومون بتوصيل الرسالة ودعوة الناس للتسليم والإيمان، وأن الحكمة من العبادات ضبط الحياة لممارسة صحيحة وسليمة، وربطها بالذات الإلهية، حتى تنظم العلاقة بين البشر، وأن الإيمان والعبادات تتم وفق الحرية المطلقة للناس، وهو يرفض العبودية بكافة أشكالها، سواء الدينية أو الحزبية أو الوظيفية أو المشيخية.

وبين مواعيد الصلاة وانتظار دوره في الفرزة يخرج أحد كتبه من درج السيارة، ويقرأ مختارات منها، أو يظل ماسكا قلمه ويكتب بغزارة، وفي بعض الأوقات يغني بصوت خافت وجميل، بالفرنسية أو الإنجليزية أو الفيتنامية أو الايطالية، يتوقف بعض المارة أمامه، وخاصة من يجيد إحدى هذه اللغات، محاولا التحدث معه وإذا استساغه شماخ تحدث إليه.

                                         يتبــــع...
           ┄┉❈❖❀✺❀❖❈┉┄
                    من مختارات:
               سلطان نعمان البركاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب

تابعنا على فيسبوك

Labels

شريط الأخبار

ads

حكمة

في بعض الأحيان الخطوة الأولى هي الخطوة الأصعب تقدم وأخطوها فقط وليكن لديك الشجاعة الكافية لان تتبع إحساسك وحاستك السادسة.

حكمة اليوم !

التسميات

العاب

منوعات

{"widgetType": "recent posts","widgetCount": 4}

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *