تأملٌ يخلقُ الحزن
اااااااااااااااااااااااااا
.
المتأمل في علاقة الشرق الأوسط والغرب ، الممتدة من القرن الخامس عشر للميلاد حتى القرن التاسع عشر ، يجدها علاقات تدافع ، وصراع حضارات ، فكلما أزدهرت حضارة الشرق ضعفت وانحسرت حضارة الغرب ، والعكس صحيح .
فحينما تمددت الحضارة الإسلامية وأقامت دولتها الشهيرة في الأندلس ، التي استمرت ثمانية قرون ، كانت العلاقة صراع وصدام في الجانب السياسي ، أما الحضاري بكل ما تشمله الكلمة من معنى ، كانت العلاقة تأثير وتلاقي وتلاقح ، حيث كانت الحضارة الإسلامية تعطي أكثر مما تأخذ ، لأن الحضارات تتزاوج وتتبادل المكنونات دون إرادة أو بخل .
لكن تأتي السياسة بسيفها الدامي ، وتلغي وتقطع كل الأواصر الممتدة ، لأنها الصانع الأكبر ، للتقلبات والمتغيرات التاريخية ، من اندماج وتنافر وإزاحات وتقارب وتعايش ، اعتمادا على المقومات الروحية والسياسية والمادية والبشرية لكل دولة.
والسؤال هنا..
ما طبيعة العلاقات بين الشرق الأوسط والغرب في وقتنا الحاضر؟
وما المقومات والمعتمدات الوجودية للشرق الأوسط ، التي من خلالها تفعّل عمليات التدافع والصراع والتأثير بالتلاقي والتلاقح مع الغرب؟.
صحيح إن للعرب أيادٍ وكوادر وعقول مفكرة واحتراعات مبتدعة ومؤلفات مرموقة هاجرت إلى الغرب ، وشاركت في بناء هرم التطور هناك ، في مجالات كثيرة ، كالطب ، والهندسة ، والصناعة ، والكيماء ، والفيزياء ، وفي مجالات أخرى.
لكنها من بعد الجيل الثاني والثالث انسلخت طوعا عن الهوية والإنتماء واللغة أيضا ، ولم يبق لهم إلا الحنين والذكريات لأوطانٍ كانت مهدا لخير أمة ، وأبرز دليل على ذلك هي الجاليات العربية في أمريكا الجنوبية.
والحقيقة الصادمة تقول : لا ندية ، ولا تكافؤ ، بيننا وبين الغرب ، في كل المجالات والمنطلقات التقدمية ، فما بيننا وبينهم علاقة التابع للمتبوع ، والمستهلك للمنتج ، وليس لدينا ما يغري العقل الغربي أو الشغف الروحي لديهم ، سوى أشياء مادية ، كالثروات والسياحة ، وفوائد الموقع الجغرافي ، التي لا نستطيع تنميتها وإدارتها أو حمايتها.
فلا توجد بذرة أمل للوقوف أما قفزات العولمة والكوننة ، التي أبدعها وتحكم بها الغرب العنيد في نظرتة للإسلام ،
فبخوفهم من الإسلام وأهله الخاضعين لبرامج التخدير المدروسة من قبلهم ، قد عملوا بكل طاقاتهم المبذولة للوقوف أمام كل محاولة لنهوض السيف النائم ، حيث وقد جربونا في القرون الوسطى ، ولا يزال وقع الذكريات المريرة يتعاظم في خيالهم ، وبقصد منهم أضافوا لها بُعبعا كاذبا ، بصناعة بعض سيناريوهات الأرهاب وأحداثه الدامية ، للحد من وتيرة الأسلمة للمجتمع الغربي ، والحيلولة دون أن تنقلب الطاولة عليهم ، ونعيد الكرة .
فأنا أعتقد أنهم قد أمنوا من ذلك واطمأنوا حتى من خيال الإحتمال الشبه الواقع ، لكنهم لا يعتقدون ذلك فهم مثابرون دائما.
ويبقى في خيالنا العربي المتحمس والمغلوب على أمله ، خيار سماوي ، في حال إن عجز أهل الأرض في نجدة أنفسهم ، هو قول الله تعالى {..فعسى اللهُ أن يأتيَ بالفتحِ أو بأمرٍ من عنده.. }
فنحن منتظرون على أحر من الجمر
ــ وهذا لا يعني أنني أشكك في أمر الله ، ولكن يجب ألا نتخلى عن مسؤلياتنا ، ونعتمد على صلاتنا ، ودعائنا في زلزلة الأعداء فقط ــ
لأن الغربيين يبنون خططهم الإستراتيجية ، لعشرات السنين وقد تصل إلى المئات ، وذلك بلإستعداد اللازم ، من الناحية العسكرية ، والمادية والعلمية ، والثقافية ، فلا ينتظرون خدع السنن الكونية ، ولا أمرا يأتي من عند أحد ، سوى ما تصنعه أفكارهم ، وجهودهم الدؤوبة ، لتحقيق أحلامهم الإستعمارية ، وحماية أنفسهم من حروب أو هجمات محتملة ، وذلك بالضربات الإستباقية ، وليس بالتصدي والدفاع.
ونحن في الجانب الآخر نواصل قناعاتنا السلبية ، في فهم النص القرآني
وما نقل عن المصطفى "ص" حيث جعلتنا هذي القناعة في ذيل الأمم ، ومن هذه القناعات
التي نتعبد بها أيضا.. الزهد في الدنيا ، حيث يؤدي هذا الزهد المبالغ فيه إلى الحد من طموحاتنا وتصغير مشاريعنا الأقتصادية ، تحت مبرر القناعة والنصيب ، والرضى بعيش الكفاف ، وإعمال النظر والحلم إلى ماعند الله فقط ، أوليس مافي الدنيا من عند الله؟ أوليس بناء الإنسان ، وبناء الأوطان وخدمة الدين ، وبذل الصدقات ، والأعمال الخيرية بحاجة إلى المادة؟ لاسيما وأن الله قال عن الدنيا وزينتها {..قل هي للذين آمنوا في الحياةِ الدنيا خالصةً يوم القيامة.. } .
كذلك مما نفهمه أيضا
أن المصائب كلها من حروب ، وفقر ، وظلم الحكام ، والإختلافات السياسية ، والمذهبية ، والتخلف الإجتماعي ، والمعرفي ، هو في نظرنا قدر وذنوب اكتسبناها ، وهذا جزاؤنا ، حتى نرجع إلى الله.
عثمان المسوري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب