مشاركة في برنامج ترجمان الصورة
"أطفال الحرب"
كان ينبغي لأطفال الحرب
أن يبلغوا سن الرشـد
حتى وإن لم يكونوا كذلك
وجب عليهم أن يكونوا أكثر صلابة وقوة
وأكثر شراسة في معركة الحياة ؛كي لايفقدوا رشدهم عندما يروا مستقبلهم يتحطم أمام أعينهم
ويشيعوه ثم يدفنوه تحت انقاض الحرب
بلا حول ولا قوة
ولاحتى يسمح بإطلاق أصواتهم المدوية للخارج فيضطروا إلى الشهيق والنحيب نحو الداخل
فعندما عرض إحدهم ذات مرة على طبيب مجاني تابع للمنضمات
نهرنه وبشدة قال له إنك تدخن السجائر وبهرم وفي عمر مبكر حتى أصبح صـدرك أسود قاتم
لم يجادله ولم يخبره أنه بالكاد يجد مايسـد به رمق جوعه فكيف بعلبة السجائر
هو لايعلم كيف تكون لحظات الوداع
ليس لصديق عابر قضيت معه يوم إلا ثلاثة وعشرون ساعة وتسعة وخمسون دقيقة
بل ستفقد الحنان بفقدان الأم
تفقد الأمان بفقدان الأب
تفقد السند بعد الله بفقدان الأخوة
تفقد عكاز الحياة بفقدان صديق العمر
وتفقد نفسك بعد كل هذا فتصبح جثة تمشي على الأرض
لكن لاوقت لأطفال الحرب للبكاء ولا للهلع والإنهيار
يجب أن يغرسوا أضافرهم بقوة في خاصرة الحياة
وينهضوا وكأن شيئا لم يكن
كي يقتوا على أمهم الأرملة
وأختهم اليتيمة
وأخيهم الذي لم يبلغ الحلم
لاوقت كي ينال الحزن منهم نصيب
فالواقع قد فرض عليهم النزوح
من مكان إلى أخر
فأصبحوا لاجئين
بين حرارة شمس الضهيرة
وسقيع ليالي الشتاء الباردة
ذهبوا تاركين ذكرياتهم
ولحظاتهم بحلوها ومرها
تركوا مدارسهم معاهدهم وجامعاتهم
سعادتهم
ومسكنهم الذي ماصار مسكنا
إلا بعد شق الأنفس
تعددت طرقاتهم
فمنهم من ذهب لحماية الوطن بقتل سكانه
أما الآخر فذهب ليجد قوت يومه فوجد من الذل مالا يخطر على قلب بشر
يكفيه تهمة أنه لم يذهب لتحرير الوطن
وأخيـرا
سلاما لمن وجب عليهم أن يتركوا
آمالهم وشغفهم
أحلامهم وشهائدهم
خلف الحائط
ويعملوا أي شيء
كباعة متجولين مثلا
سلاما لمن صارت دفاترهم هباء منثورا
وأقلامهم حبرا مهدورا
ومستقبلهم تحت الركام مقبورا
...
زبـيـده الـمـغـربـي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب