سمرقند بقلم عبد الرزاق الكميم

كتب
عبدالرزاق الكميم

......((سمرقند)) ....

إنَّ من أدركوا المناصبَ ذاقوا
جُرَع َالهمِّ والأسى الوانا

وعجيبٌ أن الذي ليس يهوى
حرصَهم لايرونه إنسانا

(عمرالخيام )1037م

في الآونة الأخيرة تتملكني رغبة جامحة في الإبتعاد عن صخب الحياة واخبارها وأحداثها لأنفرد بالكتاب الإلكتروني الذي وجدت فيه لذة تفوقت على لذة كتابة القصيدة حتى أني عزفت عن كتابة الشعر  الا تلك القصيدة التي تطل من نافذة الخيال فتقتحم اسوار الوجدان  ،
وتكتب نفسها إن جاز التعبير
فأجدني في كل ليلة أحملق في السماء بعيني وكأنها سدادة من فلين تطفو على سطح الماء.
ثم يعود اليّ البصرُ خاسئا وهو حسير

وحين أرغب في استشراف المستقبل أجدني مضطراً للعودة الى الخلف ربما خطوات كثيرة  فلا اتوانى عن فعل ذلك فأفتش في دهاليز التاريخ هنا وهناك باحثا عن إجابات مقنعة.
من خلال التحاور مع الكتاب الذي أجدفيه بغيتي ،
في هذا الشهر قرأت 4 كتب تقريبا ،
وقد أنتهي من  قراءة الكتاب  فلا تتعدى الفائدة صفحة أو أقل لكنها بالتأكيد  عظيمة ،وكبيرة فهي  ستكشف عن حجاب  أو ستعرض حقيقة ،أو ستعلمني قاعدة من قواعد الحياة الضرورية التي كنت اجهلها ،
و ستشكل لبنة مهمة في جدار المعرفة الذي يجب الإستمرار في بنائه الى اللحظة الأخيرة .

كتاب (سمرقند ) الذي ترجمه (عدنان دمشقية) عن المؤلف (أمين معلوف  ) هومن أفضل ما قرأت ،

ولست هنا بصدد التباهي واستعراض العضلات أواخطار الآخرين بأني مثقف ومطلع ....الخ.
كما أني لا أريدأن  أدون في هذه اللمحة القصيرة ملخصاً لمحتواه ، أو سرداً لأبوابه وفصوله.

لكني أولا ً
أحثُ على اقتنائه لأنك ستجد فيه فوائد كبيرة  في التاريخ والأدب والسياسة والحب  وغيرها

وقد أبدع الكاتب في  اسلوبه الأدبي الرائع الذي ينساب جمالا وعبقا وسحرا
ثانياً
سأقف عند أبرز الفوائد والمواقف
وأقول :
إن الأهم من القراءة هو نوعيتهاوليس كميتها .

هذا الكتاب
يحتوي  على 347 صفحة بين دفتيه و كلما قرأت صفحة زاد شغفك لقراءة الأخرى فتجد نفسك قد التهمته في وقت قياسي دون أن تشعر.

يتحدث عن الفيلسوف والشاعر والفلكي الفارسي (عمر الخيام )الذي ولد في ثلاثينيات  القرن الحادي عشر الميلادي وتنقل مابين نيسابور ـ مسقط رأسه  ـ وسمرقند،  وتبريز، واصفهان  ،
كما يستعرض الكتاب الوضع السياسي والاقتصادي والإجتماعي في تلك الحقبة ،
(سمرقند) وهي الآن ثاني اكبر مدن (كازاخستان )
كانت آنذاك هي المدينة المسالمة الحالمة الجميلة  التي قال عنها الخيام :
أنها أجمل وجه أدارته الدنياللشمس .
عاش فيها أجمل أيامه وحقق فيهاالكثير من  أحلامه  وذلك بتأسيس المرصد الفلكي الذي انتهى بالحرق كما كانت  تنتهي كل فكرة جميلة وكل مشروع طموح  وكل مدينة عامرة بالحب والحياة ،وكل كتاب بديع.

هذه المدينة كتب فيها الخيام بعض كتبه منها بعض رباعياته التي اشتهر بها وقد ساعده على ذلك الحاكم الذي كان يسمى (نظام الملك) فقد كان ممن يشجع العلم والنظام والقانون وهذه حالات نادرة في التاريخ القديم والحديث أيضاً فالعلم والقانون والنظام في صراع دائم مع الحاكم  المطلق المستبد  .

كانت تهمة  الفيلسوف أوالكيمائي   جريمة  يستحق صاحبها الإعدام آنذاك  ورجال الدين جاهزون لإطلاق تهم الكفر والزندقة والردة على كل من خالفهم الرأي، أوأتى بجديد يتنافى مع مصالحهم  .

لقد واجه عمر صعوبات جمة في حياته
لكنه
تعرف  على (جهان ) الجميلة الشاعرة الفصيحة ،التي كانت تبدد آلامه وتذلل كل الصعوبات بجمالها ودلالها وحكمتها وثقافتها الواسعة
فكان يشترك معها في كثير من الخصال الاأنها تحب عيش القصور وتحب السلطة والإمارة وهذه الأمور  كانت أكثر الأشياء كرها الى قلب عمر
فحياة القصور مليئة بالدسائس  والمؤامرات وغالبا ماتنتهي حياة اهل القصور بالموت سواء بالسيف او السم أو الخنق أو غيرذلك.

كان عمر يميل الى حياة الأنس والهدوء والعلم والحب يكره العنف ويميل الى السماحة والمحبة

نستطيع القول أنه كان يجمع بين  لذة العلم وعلم اللذة ،
فكان يرفض كل منصب أياً كان.

وقد حاول ثني جهان بكل مايستطيع لكن دون جدوى ،
وبالرغم أن حبيبته ليست من عائلة الأمراء  الا أنها استطاعت الوصول الى العرش فقد انقرضت العائلة الحاكمة بفعل الاغتيالات والحروب ووصلت جهان الى العرش
لكن سرعان مالقيت مصيرها وماتت كما  يموت السلاطين والأمراء والاميرات .

لقد نقل الينا (عمر الخيام) صورة عن مدن وسط آسيا التي كانت تتعرض للنهب والسلب والخراب بين الفينة والأخرى ، فكل حاكم يشعر أنه أصبح أقوى من جاره لا يتردد في اقتحام مدينة الآخر أو عاصمته طالما سيجد فيها الغنيمة المغرية له ولجنده .

كان (نظام الملك) متزوج من ابنة القائدالأعظم  الذي يهاب اسمه الجميع إنه ( الب ارسلان)
الا أن علاقة المصاهرة تلك  لم تمنعه من قرار اقتحام سمرقند ب 200 الف جندي،
وفي الطريق الى غايته تم أسر بعض الجنود المدافعين عن المدينة وكان بينهم الأ سير الجريح (يوسف )
وبعد أن خطب ـ ارسلان   القوي  ـ في جيشه الذي كان يهز الأرض تحت الأقدام وذلك  بعد اجتياز النهر الذي كان من الصعوبة بمكان اجتيازه
ثم  استدعى الأسير ليتلذذ بتعذيبه لكن يوسف باغته بطعنة من خنجره الذي خبأة بطريقة احترافية وأرداه قتيلا وانقذ سمرقند من الدمار وعاد الجيش خائباً مكسورا ،
وكان (الب ارسلان )يقول قبل موته:
لقد بعث الله اليّ على صلفي أحقر الناس ، أسير ، مغلوب ،جريح ،في طريقه الى الموت فتبين أنه أقوى مني فلا تغتروا.

ستستفيد من الكتاب أيضا
أنه من الصعوبة بمكان ان يكسب الأنسان رزقه بشرف في ضل حكم مستبد ،

ستعرف أيضا أن نجاحك المفاجئ والمتسارع قد يكون سبب نهايتك حين تكون ضعيفا وتريد أن تنهض وخصمك القوي يتربص بك فقد يكون من الحكمة اخفاء انجازاتك ونجاحاتك بل والحد منها.

فنجاح الحكم الديمقراطي في ايران مطلع القرن التاسع عشر الذي كان سببه حكمة وزير الخزانة وأمانته أدى الى غضب القيصر في روسيا فاجتاح بجيشه طهران وافشل المشروع الطموح الحالم. 
وهذا الأمر يذكرني بمصير الزعيم( الحمدي) رحمه الله .

ستعرف ايضا أن للحقيقة وجهان كما للناس أيضا فلا تستعجل في الحكم على الآخر

ستعرف الكثير عن أبعاد الزمن ومقاييسه واسراره، ستعرف أن للكون همسة غامضة يجب ان تكون جاهزا لسماعها ذات مساء مظلم يغشاه السكون .

ستعرف أن البحر ليس له جيران فقد أغرق (تيتانك) التي كانت تحمل كتاب الخيام
وقد سرد المؤلف مغامراته التي كان يحفها الموت من كل مكان لكنه كان لايبالي مقابل الحصول على هذا المخطوط النفيس فلما حصل عليه غرق الكتاب  مع السفينة ونجى بنجامين مع الأميرة شيرين ابنة شاه إيران التي قالت له في وسط المحيط والكتاب الى جوارهما

هاهي زهيرة الغرب
اي (تيتانك)تحمل زهرة الشرق أي كتاب (عمر الخيام ).

وستعرف بين سطور الكتاب أن الأمير ليس له أصدقاء،
وستعرف لماذا معظم المسلمون إن لم نقل جميعهم كانوا ومايزالون   أيتام ومستضعفون؟ يسيرون على استحياء في آخر الركب .

أخيرا ًستعرف أن الطيور قد تختبئ في أوكارها لكي تموت .

-------------------------
عبدالرزاق الكميم
2020/9/29م