الخميس، 25 يونيو 2020

الكسوف الأعظم بقلم عفاف البعداني

*الــــكسوف اﻷعــظم*
-----------------------------

*🖋️عفــــــاف البعــــــداني*

لاأقصد هنا كسوف الشمس، فالشمس بيد الله وبرحمة من الله، ولو كانت بيد البشر لعاثوا وأفسدوا واستقالت كواكبنا من  الحياة،ولكن أنا عنيت بهذا المصطلح من زاوية أخرى ومن جهة مختلفة تمامًا ،جهةباردة لاتصلها الشمس جهة تختبأ خلف ضبابٍ مجهول الهوية، ربما لم يقترب منها أحد ؛فهي صماء سوداء ظلماءلاترى بالعين المجردة ،ولكنها ٱمنت المكوث وارتفعت فوق سطوح المنازل، ورؤوس الجبال فتخللت ومضى مشروعها بيننا بحنكة محلل حروب قديم ،

تلك الزاوية المختبئة ،خلف مدينتنا النائمة ،باتت تطلق أشعةكسوفية خرجت من سرداب الموت البطيء، أُفقية المدى وليست عمودية التأثير، فمصدرها ليس الشمس باختفاء الضوء ،أو انسحاب نور القمر، ؛وإنما مصدرها كان قصة احتجاب ضمائر البشر، فما عاد يروينا ويبهجنا وينعشنا سوى صوت زخات المطر ،

ولكي أكون منصفة مع اليوم واﻷمس ،فالشمس مازالت على عهدها قائمة  تشرق الساعة السابعة 7:00ص  وتغيب الخامسة مساءًا، وتكسف بالسنين ربما مرة واحدة ،والقمر لازال على عهده يظهر في الحضر والبادية ،وفي منتصف الشهر ولازلنا نتأمل شقه ولونه وسره بالدقيقة والثانية.

وإنما هذا الكسوف الذي تناوله قلمي بدقة، وأحدودب الفكر له بشدة هوذاك الكسوف الذي دخل فيه اﻹنسان ،فالطبيعة برياحها الموقرة لم تكسر الفنجان وبريئة لم تيقظ البركان، لم تغرق اليابسة لترضي البحر ،ولم تشرب البحر لتسعد اليابسة ،بل كان كسوفاً من وقع البشر فاحتفلت به نفوس مظلمة ،وانصهر بعالمي كجبال ممددة، وتخلل موطني بشراهة أحمق ،أغرق صديقه في بحور ضاربة، هو كسوف أرقد الحياة ووضعها تحت رحمة الموت السريري، ولم تعد في موطني أي حياة كسوف توغل  في الفعل ،في النية، في العمل، في اﻷدغال واﻷوطان  ،والمؤسف أن قائدهُ ومطبله ومدندنه هو نفسه اﻹنسان. 

هو كسوف عالم أجحف رمى بشرارة حقده بنيزك حربي مجوف، باطنه العذاب ،وظاهره الرحمة ،كسوف أبادالحياة ولم تعد في موطني أي حياة ،كسوف تجسد في ذرات صغيرة مسممةً ضريرة، محملةً بأمراض دخيلة، تفوق وقعًا من كورونا الدخيلة، انتشرت ببطىء وتحركت بدهاء بين التراب والماء واﻷرض واﻷجواء ،لتصل إلى ذواتنا المفقودة  وتحصرها بزاوية مكان مكتظ ونصبح لسنا نحن بل نحن أشباهنا،

كسوف بشري نتداوله فيمابيننا ونمضي معه مجبورين وهو من خبأ عنا خريطة السلام، تحت الجذور العميقة فأصبحنا له ضحية من الدرجة اﻷولى،

كسوف أرقد الحياة وعندما قررت أن أستيقظ وأقلع من مطار شجرتي الخيالية،  وحلقت بجناحات قوية، مصبوغة بألوان زرقاوية، ترتدي القرمزية والتي  كان طولها يبلغ  الفي متر ومائة ،عبرنا ومضيناواتفقت مع بلبلها الصياح لنصعد اﻷفق وصلنا ورأينا الكون بصروفنا كئيباً يبحث فينا ويسأل أين دفنتم غصينات الربيع، لماذا أرضكم صارت ترتدي وشاح مخيفاً يغطي كوكبنا ؟؟وهو في كنهنا حمل وديع كنانعتقد أن هذا المخلوق يشبه السنن الثابتة لاتغيره الحواجز الحائلة لاتبدله النفوس الهائجة ،ولكن خالفتم القوانين وغيرتم الموازيين؟!!

وفعلاً; وأنا في هول الرؤية مع بلبلنا تبدلت ملامحي ،وفقدت جوانحي ،وصرت معهُ عمياء لاأرى ،وصماء لاأسمع، فأنا قست بنظرة بعيدة، من حد اﻷفق رأيت الزخم الواسع من الكسوف الذي تبادلانه فيما بيننا بجمل الاعتياد،

فاﻷمركان بسيط جدًا أن نرى شوارعنا تذبح، ومدننا تموت، وأبناءنا يرحلون، اﻷمر كان بسيط للغاية حين أعلن المارد الشرقي، والغربي، واﻷوروبي،  شرارة حقدهم من البداية وقالوا:  سنمحي ذلك الوطن، سنذبح شوراعه ،ونخليها من الموازرة، ونلتهم حضارته وسنقبعه فوق الفقر فقرًا سندمر موانئه ونلوث شواطئه، ونطمس حضارته، سنتقاسم جزره النادرة، ونتحكم بمضيقه اﻷسطوري ،وسيكون جنوبه دولة مستقلة ؛يسهل  المتجارة فيها سنرفع اﻷعلام ونقتل حرية إنسان باسم الوطن باسم الدين واﻹسلام،

رجعت من عالم الفلك بنفسية متخمة الجراح، وعدت لموطني واستيقظت مع حلم مختطف، شاركتني فيه الحياة وتكرمت البصيرة بأن تهديني المقتطف بأن الكسوف/  هو زمن قصير،نفقه طويل، سردابه عسير،؛ ولكن السر والحل هناك في النور الذي اخترق نهاية النفق الطويل، فعند شفق المصير رأينافصل مطير، بخيره غزير، فعدنا إلى بيتنا القديم وعدنا من أمسنا الطويل ورأينافي كنه السماء ،نجم أصيل يخبر حلول الظلام بأنه لا ولن يكون بيننا مستحيل .
-------------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب

تابعنا على فيسبوك

Labels

شريط الأخبار

ads

حكمة

في بعض الأحيان الخطوة الأولى هي الخطوة الأصعب تقدم وأخطوها فقط وليكن لديك الشجاعة الكافية لان تتبع إحساسك وحاستك السادسة.

حكمة اليوم !

التسميات

العاب

منوعات

{"widgetType": "recent posts","widgetCount": 4}

Contact us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *