قرية الجحيم بقلم ليلى السندي

قرية الجحيم

في أحدى التلال التي تطل على مشارف قرية صغيرة هجرت منازلها، كانت هناك يد انبثقت من قبر وحيد في عالي التلة، وكانت اليد تلوح للمسافرين عبر القرية المهجورة.

فيجدون الخطى هربا، فكلما لوحت لهم اليد وكأن الريح تؤمر بتلويحتها، فتتساقط الأوراق الخضراء تغمر المسافرين، بنسائم لطيفة، وحين يفزعون ويركضون هربا، تعود الأوراق لأغصانها مصفرة حزينة.

وهكذا ظل سر القرية، وتلك اليد الملوحة حباً، قيد الغموض والفضول، وحزن الأوراق التي تقطر الندى منها دمعاً.

حتى جاء ذلك الحكيم المتقوس ظهره، مر بتلك القرية عابراً، فرحبت القرية وعزفت الرياح والأوراق تراقصت حوله بهجة.

تبسم وجلس على إحدى صخورها ليأخذ قسطا من الراحة، فرمت له اليد وردة بيضاء تنبت بجوار قبرها، فالتقط الوردة ليصعد التلة وقد شغف معرفة بماهية القرية وتلتها.

ليجلس القرفصاء قرب القبر ويربت على الكف مرحباً. سأل اليد: ما قصتك ومال منازل القرية مهجورة؟ وكأنها دعوة للسكنى والإعمار؟؟

ردت اليد: ؤ نعم هي دعوة ليتك تقبلها، وتدعو من تحب لسكنى القرية."

"ماهو سر القرية ما هي الأحداث التي وقعت ليصبح هذا حالها؟" سأل الحكيم اليد.

"كنا منذ قرون مضت من مر هنا لا نرحب به ولا نقره كضيف، بل كنا نرميه أضحية لوادي الجحيم، فتوقف المسافرون عن العبور، وزأر الوادي متنفساً يعبر عن جوعه، فما كان منا إلا أن أقترعنا فيما بيننا لإطعام الجحيم، وكنت الأخير، فتركت يدي حيث ترى، لنعيد للبركان زهوه، وهكذا غدوت أرحب بكل مسافر، لكنه يفر خوفاً." أجابته اليد بكل أسى مطأطأة أصابعها.

أجابها الحكيم واقفاً على عجالة: " تبا لكم وما تعبدون. إن الجحيم يحتاج أعمال صالحة تطفيء سواد نارها، وليس دماء تغذيها فتعلو وتطغى. ليتكم تدركون كيف تعمر الدنيا، تبا لكم ولمذاهبكم."

حمل الحكيم متاعه مسرعاً وفي يديه لوحتين وضعهما على مدخل ومخرج القرية، كاتباً فيهما *" لا يدخلن أحدكم القرية إلا إن كان يستحق أن يكون للجحيم طعاماً"*

ليلى السندي