" الرسالةُ الأولى إلى أُمّي "
لستِ أوّلَ مَن رحلوا ...
واقتفى القلبُ آثارَهُمْ
الكثيرُ بذاكرتي عالقٌ مِن زَمَنْ
الكثيرُ بذاكرتي عالقٌ أنشبوا في شغافي أظافرَهم
ومضوا ...
لا تزالُ أصابِعُهم تنخرُ الآن ذاكرتي
كلّما أطفأ الليلُ قنديلَهُ وغفا
أيقظَ الوقتُ لهفتَهُ والشّجَنْ
لستِ أولَ مَن رحلوا
غير أنّكِ أكثر مَن أوجعَ القلبَ حين مضى فجأةً
خالعًا كلّ أغنيةٍ عزَفَتْها القصيدةُ في داخلي للوَطَنْ
أدركُ الآنَ أنّي خسرتُ الحياةَ بما وهَبَتْ
وبما خبّأَتْهُ الليالي
التي رسمَتْها يداكِ على جسَدِ الذّاكرةْ
أدركُ الآن أنّي خسرتُ الكثيرَ ..
الكثيرَ مِن الحبِّ والشّعرِ والعطرِ والقُبَلِ الماطرةْ
أدركُ الآن أنّي وحيدٌ على هذهِ الأرضِ وهي تموجُ بأبنائها وبنادقِهم
ساكنٌ كلّ شيءٍ سكونَ الجاثمينَ بعد معانقةِ الموتِ
قبل انتقالِ الخيالِ إلى الآخرةْ
شاخصٌ في الوجوهِ
ألوّحُ للرّيحِ
أصرخُ في أذن الحربِ
أبتلعُ اليأسَ
أكسرُ قافيتي الثائرةْ
لستِ أولَ مَن رحلوا
وأداروا ظهورَ الأماني التي ذبُلَتْ للمحنْ
كيف قررتِ أن ترحلي هكذا خلسةً دونَ أن تخبريني؟ وتدرين أني صغير على مثل هذا
صغير على الحزن والدمع والقهر
صغير على أن أعيش غريبًا وحيدًا يتيمًا بلا موطنٍ أو سَكَنْ
كلانا تعبنا ....
تعبنا من الحرب والفقر والحزن
تعبنا من القصف والقتل
تعبنا من الصمت والصبر
لكن لماذا تموتينَ قبل آذان الصباح ؟
وقبل شروق القصيدة في خافقي
لماذا تموتين قبل انتباهي؟ وقبل عروجي إلى أفق الحلم
إنّ حلمي كبيرٌ وليلي ثقيلٌ طويل
لماذا تموتين قبل اكتمال القمر ؟
وقبل اكتمال نمو الورود على شفتي؟
لا يزالُ بنفسي الكثيرُ مِن اللومِ لكن سأختصر القولَ في دمعةٍ واحدةْ
لستِ أولَ مَن جرَّعَ القلبَ كأسَ الحَزَنْ
لستِ أولّ مَن رحلوا
فلتكوني إذن آخرَ الرّاحلينَ
وآخرَ مَن ثقبوا سقفَ جمجتي
ومضوا ...
سامحيني
سوف أفردُ أجنحتي وأغنّي
إنّ حزني قليلٌ مقارنةً ببلادي التي أرهقتْها الفِتَنْ
لستِ أولَ مَن رحلوا ...
لم تزلُ في ضُلوعي " اليمن "
بديع الزمان السلطان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب