(طُفُولَة رِيفِيَّة )
✍/جَبْر مَشْرِقِيّ ▪
_________________________
إِلَى ...
ذلّكَ الدار الطِينِيّ ،
القابِع فِيَّ مُهْجَة الرِيف
كَجَسَد بِال ،
عَلِى رُفُوفهُ
تَراتِيل (أُمِّي )
وَأَثَرَ ضَحِكتُها ،
وَفِيَّ زَواياه
فَأُسّها وَحُبِل حَطَبها
وَجَرَّة ماءها
وَتَنُّور خَبَزَها
وَقَمَّح حَمّامها ،
إِلَى سَرِير (وَالَدَّيْ ) الخَشَبِيّ
المُسْتَند عَلِى الرُكْن الثالِث مِن الدار ،
إِلَى سَجّادته وَإِبْرِيقه وَمسَبِّحته
إِلَى المصْحَف الَّذِي تُداعِبهُ أَنامِلهُ وَيَتْلُوهُ قَلْبهُ ،
إِلَى
(حندول) (أَخِي الرَضِيع )
الَّذِي تَعْلُو ثَغْرهُ الخالِي مِن الأَسْنان ٱِبْتِسامَة غَيَّر مُتَرْجَمَة ،
إِلَى
(أُخْتي ) التي تُطَوِّقها سَواعِد الحُمَى وَتَغْزُوا جَسَّدَها الضَعِيف
إِلَى (أَقْراص البَنْدُول ) التَي تُرافِقها طِيلَةَ اليَوْم ،
إِلَى (جَدَّيْ )
المُصاب بِالسُكْر
الَّذِي يَتَسَلَّل السُعال إِلَى بُلْعُومه أَلَواهُنَّ خَيَّطَ الكَلام فِيهِ ،
الَّذِي يَزْعَج الجِيران بِسُعالهُ وَقَتَّ السَحْر ،
إِلَى
شَجَرَة (أَلَّبن )
التَي كَنَّت أَقْضِي (طُفُولتِي ) تَحُتّ ظِلالها ،
وَأُسْنَد رَأْسِي عَلِى جَذَّرَها ،
وَأَلْتَقِي بِمَجْمُوعَة الأَطْفال تَحُتّ أَغْصانها وَكِلنا
يُحَمِّل لَعْبَة فِيَّ يُدَهّ ،
إلى شَجَرَة (السِدْر )
التيْ كَنَّت أَذْهَبَ إِلَيها قَبْلَ طُلُوع الشَمْس حامِلا فِيَّ يَدَيْ (وِعاء ) صَغِير لِأَلْتَقِط شَيْء مِن أَثْمارها ،
إِلَى تَلكِ المَدْرَسَة التي كَنَّت أَذْهَبَ إِلَيها كُلّ صُباح وَبِيَدَيْيَ كَسُرَّة مِن (خَبَزَ أُمِّي )،
إِلَى الزَرْع وَالساقِيَة
إلى السَهُول وَالتِلال
فِيَّ (رِيف قَرْيَتَيْيَ )،
إلى ذِكْرَى
عُشّتها مَعَ الحَقْل وَالوادِي
مَعَ المَرْعَى
مَعَ (جَمَلَيْ وَأَغْنامِي )
مَعَ (البَتُول والسبول)
مَعَ السَحابَة الهاطلة
مَعَ (أَلْبِير وَالدَلْو )
مَعَ (الشاه وَالعُشْب )
مَعَ السنابل وَالطَيْر
مَعَ (حكاوي الأَجْداد )
حَيْثُ كَنَّت أَحْمِل (قَوْسَيْ التُراثِيّ ) لِصَيْد العَصافِير ،
هُنا كانَت (طُفُولتِي )
تموسق جيتار أَغْنَيتِها ،
كانَت السَماء تُلْقِي عَلِى عَيْنِي ثَوْب زُرْقتها ،
وَشَجِرَة (الفَلّ )
كانَت تُهْدِينِي زِجاجَة العِطْر
إِلَى أَغْصان (القات ) التَي كَان يَأْتِي بِها (أَبِيّ ) إِلَينا بَعْدِ كُلّ غَداء ،
إِلَى النَخِيل
الَّذِي كُنا نُذْهِب فِيَّ مَواسِمهُ لِنُقَطِّف مِنْه (المناصف)
إِلَى شَجَرَة (المانْجُو ) التي كَنَّت أَعْتَلِي هامتها لِأَقْطِف مِنها حَبّتها (الصَفْراء )
إِلَى جَرّتِي المملؤة (بِماء أَلْبِير )
وَكَأُسّها (البلاسْتِيكِيّ ) ،
إِلَى كُلّ عَيَّدَ كانَت (أُمِّي ) تَصْبُغ أَقْدامِي وَيَدايَ (بِالحِنّاء )،
إِلَى ذُلّكَ (الفانُوس ) الضَئِيل الَّذِي يُرافِقنِي فِيَّ الدُجَى ،
وَأَنا أُذاكِر دُرُوسِي المَدْرَسِيَّة عَلِى ضَوْؤهُ ،
ٰلله أَنَت (ياريفي)
ياجنة عَلِى الأَرْض تُسَكِّنها أَرْواح البُسَطاء ،
يالغة الخَرِير فِيَّ قامُوس مائِي ،
يامهبط العِشْق ،
وَتَراتِيل الهُوَى ،
ياجوهرة غالِيَّة فِيَّ بِحَوَر الجِمال
(فَإِن تُتَّهَمِي فَتِهامَة مَوْطِنَيْ
أُو تَنْجَدِي يُكَنّ الهُوَى نَجْد )●
_________________________
✍/جَبْر مَشْرِقِيّ ▪
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ادرج تعليقك في مجلة شعراء العرب